عقب الأحداث الدامية التي شهدتها مناطق الساحل السوري ابتداءً من يوم 6 آذار/مارس 2025، قرر الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، بتاريخ 9 آذار /مارس 2025، تشكيل لجنة مستقلة مؤلفة من خمسة قضاة ومحامٍ وضابط، “للكشف عن الأسباب والظروف والملابسات التي أدت إلى وقوع تلك الأحداث، والتحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون وتحديد المسؤولين عنها، والتحقيق في الاعتداءات على المؤسسات العامة ورجال الأمن والجيش وتحديد المسؤولين عنها، وإحالة من يثبت تورطهم بارتكاب الجرائم والانتهاكات إلى القضاء“.

وكانت محافظات اللاذقية وطرطوس، ومناطق أخرى قد شهدت “إعدامات ميدانية وفظائع أخرى وقعت في المنطقة الساحلية السورية في أعقاب هجمات متمردين على قوات الأمن السورية وأثناء العمليات الأمنية اللاحقة للحكومة“، وفقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش الدولية. فيما طالبت منظمة العفو الدولية التحقيق فيما وصفته بـ”أعمال القتل المُروّعة بحق مدنيين في الساحل الشمالي الغربي”، جاء ذلك في معرض تعليق المنظمة الدولية  على التقارير التي تحدثت عن مقتل مئات المدنيين، معظمهم من الأقلية العلوية، في المناطق الساحلية في سوريا.

وكان مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان “فولكر تورك”، قد حثّ هو الآخر على تحقيق المساءلة عن جميع الجرائم المرتكبة على الساحل السوري، ورحب بإعلان سلطات تصريف الأعمال تشكيل لجنة تحقيق مستقلة، داعيا إلى ضمان أن تبقى التحقيقات سريعة وشاملة ومستقلة ونزيهة. وشدّد “تورك” على ضرورة محاسبة جميع من تثبت مسؤوليتهم عن الانتهاكات، بغض النظر عن انتماءاتهم، وبما يتماشى مع قواعد ومعايير القانون الدولي.

ما هي آلية عمل لجنة التحقيق وإلى ماذا تفتقر؟

لم يتضمن قرار تشكيل لجنة التحقيق السورية، أيّة آليات واضحة ومحددة لطريقة عمل اللجنة ومنهجية العمل والأساس القانوني الذي سوف يتم الاعتماد عليه، باستثناء إلزام الجهات الحكومية المعنية بالتعاون معها، وحقّ اللجنة بالاستعانة بمن تراه مناسباً لأداء مهامها، وكذلك إلزام اللجنة برفع تقريرها إلى رئاسة الجمهورية في مدة أقصاها ثلاثون يوماً من تاريخ صدور القرار.

 إلاّ إنّ المتحدث باسم اللجنة، المحامي ياسر الفرحان، ذكر بأن اللجنة ملتزمة بالحفاظ على “استقلاليتها والتزامها بمعايير الحياد والموضوعية”، وذكر أنها ستعكف على جمع الأدلة والتقارير المتاحة بالإضافة إلى وضع برامج لمقابلة الشهود وكل من يمكنه المساعدة في التحقيق وتحديد المواقع التي يجب زيارتها وآليات التواصل مع اللجنة.

وأضاف أن اللجنة تعمل على تحضير لوائح بالشهود المحتملين مع توفير حماية لأي شاهد يطلب الإدلاء بإفادته تحت برنامج حماية الشهود والضحايا.

ولم تتضح بعد مدى قدرة اللجنة على توفير حماية فعلية للضحايا والشهود والمصادر، خاصة في ظل الأوضاع الأمنية المعقدة وتورط جهات وأفراد من الحكومة نفسها بانتهاكات الساحل. لذلك، فإن بناء الثقة بين اللجنة والشهود و/أو المصادر يتطلب إجراءات واضحة ومطمئنة تضمن عدم تعرضهم لأي خطر نتيجة تعاونهم مع التحقيق. إذ قد يمتلك بعض الأشخاص معلومات هامة للتحقيق، لكنهم يترددون في الإدلاء بشهاداتهم خوفًا من التعرض لأي تهديد أو انتقام، ما يؤدي إلى تأخير أو عرقلة في التحقيقات.

وبدلاً من إلزام اللجنة برفع تقريرها إلى رئاسة الجمهورية فقط، كان من الواجب أن يتاح للجنة تقديم تقريرها إلى الجهات القضائية المختصة، وكذلك نشره على العلن (مع ضمان حماية الشهود والمصادر)، لضمان الشفافية والمساءلة.

أهمّية التعاون مع المؤسسات الدولية لتعزيز شفافية التحقيقات والاستفادة من خبراتها:

لم يتطرق القرار إلى مدى إمكانية التعاون مع المؤسسات الدولية المعنية بملفات حقوق الإنسان، ولا سيما تلك المختصة بالملف السوري، وعلى الرغم من أن المتحدث باسم اللجنة ذكر بأنهم “منفتحون على التعاون الدولي”، إلا إنه أضاف بأنهم “يفضلون الاستعانة بالإمكانيات الوطنية”.

ومع ذلك، ولضمان تحقيق شفاف ومستقل، يتوجب على “اللجنة المستقلة للتحقيق في أحداث الساحل السوري” التعاون مع المؤسسات الأممية والمعنية بالشأن السوري، ذات الخبرة في التحقيقات المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، لتعزيز مصداقية التحقيقات والاستفادة من خبراتها. بما في ذلك “لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا“، التي تم إنشاؤها بموجب قرار مجلس حقوق الإنسان رقم 1/17 الصادر في 22 آب/ أغسطس 2011، والتي تتمثل ولايتها في التحقيق في جميع الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان المرتكبة في سوريا منذ آذار/مارس 2011، والوقوف على الحقائق والظروف التي قد ترقى إلى هذه الانتهاكات والجرائم، وتحديد المسؤولين عنها حيثما أمكن، بهدف ضمان مساءلة مرتكبي هذه الانتهاكات، بما فيها تلك التي قد تشكل جرائم ضد الإنسانية.

وبالنظر إلى خبرتها الواسعة في توثيق الجرائم المرتكبة والانتهاكات وتحديد المسؤولين عنها، يمكن أن تساهم هذه اللجنة في تقديم دعم فني وتقني للتحقيقات. حيث تعمل اللجنة على تلقي المعلومات والوثائق المتصلة بولايتها من الأفراد والمجموعات والمنظمات والدول الأعضاء، لا سيما عندما تكون ذات صلة بشأن الوقائع والظروف المتصلة بمزاعم انتهاكات واعتداءات محددة، أو بشأن هوية الأفراد والوحدات العسكرية والمجموعات المسلحة المسؤولة عن مثل تلك الانتهاكات، وكذلك الآراء التي تتضمن توصيات محددة موجهة للأطراف المسؤولة والمتنازعة داخل سوريا، بهدف تعزيز حماية حقوق الإنسان والنهوض بالمساءلة.

كما يُفترض أن تتعاون اللجنة المستقلة للتحقيق في أحداث الساحل، مع “المؤسسة الدولية المستقلة لشؤون المفقودين“، التي أنشئت بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 77/301 بتاريخ 29 حزيران/يونيو 2023، ذلك أنّ العديد من التقارير تحدّثت عن وجود مفقودين ومقابر جماعية.

لذا يعدّ التعاون مع هذه المؤسسة ضروريًا للاستفادة من أدوات البحث وتحليل البيانات، بما يضمن حق العائلات في معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة، إذ تعمل المؤسسة الدولية للمفقودين على جمع المعلومات حول الأشخاص المفقودين في سوريا، بغض النظر عن جنسيتهم أو ظروف اختفائهم.

إن بناء شراكات مع مؤسسات أممية وسورية محلّية، سوف يساهم في تعزيز مصداقية التحقيقات، ويتيح أيضًا الوصول إلى موارد وخبرات تساعد في جمع الأدلة بطريقة أكثر كفاءة، وتضمن مساءلة المسؤولين عن الانتهاكات وتحقيق العدالة.