منذ عام 2011، لم تتمكن العديد من الأسر السورية من تسجيل واقعات الوفاة في سجلات الأحوال المدنية، إمّا لوجودهم خارج مناطق سيطرة النظام، أو بسبب طبيعة الوفاة غير الاعتيادية المرتبطة بالنزاع، سواء خلال العمليات الحربية والقصف أو في مراكز الاحتجاز، وما يعقبها من إمكانية المساءلة الأمنية، لا سيما من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري السابق.
ويترتب على عدم تسجيل واقعة الوفاة آثار قانونية عديدة، منها تعذّر استخراج وثائق حصر الإرث والتصرف بتركة المتوفى، وحرمان ذوي الحقوق من المعاشات التقاعدية، وصعوبة تمكين الزوجة من الولاية على أولادها القاصرين، مما يعوق إجراءات السفر والحصول على وثائق رسمية. كما أن عدم التسجيل يحول دون قدرة الزوجة على الزواج مجدداً، لعدم إثبات حالة “الترمل” قانوناً.
تتناول هذه الورقة الوسائل القانونية المتاحة لتسجيل واقعات الوفاة في السجل المدني والمحاكم، وفقاً لأحكام قانون الأحوال الشخصية وقانون الأحوال المدنية السوريين. علماً أنّ مشروع “مشاركة من أجل العدالة” سوف يتطرق في مقالة خاصة أخرى إلى توصيات بخصوص توثيق وتسجيل حالات الوفاة المرتبطة بالنزاع وكيفية ضمان حقوق العائلات والضحايا واحترام الحقيقة.
أولاً: التسجيل الإداري للوفاة:
يتمّ تسجيل واقعة الوفاة في السجل المدني ضمن المهلة القانونية،[1] بناءً على تقرير طبي يثبت الوفاة الطبيعية، مرفق بشهادة مختار موقعة من شاهدين. وفي المناطق التي لا يتوافر فيها طبيب، يمكن الاكتفاء بشهادة المختار. أما إذا تجاوزت الوفاة مدّة عام دون تسجيل، فيتطلب الأمر ضبط شرطة يُرفق مع الوثائق المقدّمة إلى أي مركز سجل مدني لاستخراج بيان وفاة. ويتحمل واجب التبليغ أصول المتوفى أو فروعه أو زوجه أو أقاربه البالغين.[2]
وفي حال كان المتوفى عسكريا فتُحال وثيقة الوفاة إلى دوائر السجل المدني عن طريق وزارة الدفاع، وفي حال وقوع الوفاة داخل السجون أو المحاجر أو المستشفيات، يتولى مدير الجهة المعنية تقديم شهادة الوفاة إلى السجل المدني.[3]
ثانياً: تثبيت الوفاة قضائياً:
يُلجأ إلى القضاء الشرعي[4] لتثبيت الوفاة في حال تعذر التسجيل الإداري، وذلك من خلال:
- 1. دعوى تثبيت الوفاة:
تُقام أمام المحكمة الشرعية من أحد الورثة ضدّ الباقين عند التأكد من وفاة الشخص، ويمكن إثبات هذه الواقعة بكافة وسائل الاثبات المنصوص عليها في قانون البينات السوري، ومنها البينة الشخصية (الشهادة)، وبعد التحقق من الأدلة وسماع الشهود، يصدر القاضي الشرعي حكماً بتثبيت الوفاة، ولا نرى داعياً للتقيد بتعميم وزارة العدل رقم 22 لعام 2022 الذي اشترط الحصول على الموافقة الأمنية وبيان حركة للمتوفى من إدارة الهجرة والجوازات، لأن هذا التعميم صدر لغايات سياسية وأمنية، والتعميم لا يسمو فوق القانون.
- 2. دعوى اعتبار المفقود ميتاً:
تُرفع هذه الدعوى عندما يكون الشخص مفقوداً في ظروف ترجّح وفاته دون التحقق من مصيره، كحالات الحرب أو الحالات المماثلة. ويُشترط مرور أربع سنوات على فقدانه،[5] تُقام الدعوى من أحد الورثة ضد وكيل قضائي عن المفقود، وبعد أن تتثبت المحكمة من انقطاع أي أثر عن المفقود لمدة تزيد عن أربع سنوات، تصدر حكمها باعتباره بحكم الميت، وبعد اكتساب الحكم الدرجة القطعية، يُنفذ في السجل المدني.
في حال حصلت الوفاة خارج سوريا:
في هذه الحالة يتوجب على صاحب المصلحة تقديم شهادة الوفاة إلى البعثة القنصلية السورية في بلد الوفاة، حيث تقوم القنصلية بتسجيل الواقعة وإرسال بيان الوفاة إلى مديرية الشؤون المدنية المختصة داخل سوريا لاستكمال إجراءات التسجيل.
أمّا في الحالات التي يتعذر فيها تسجيل الواقعة وفقاً لما ذكر، فعلى صاحب العلاقة الحصول على شهادة الواقعة أو صورة مصدقة عنها من الجهات المختصة في مكان حدوثها، ليصار إلى تسجيل الوفاة لدى دوائر الأحوال المدنية السورية المختصة وفقاً للأصول القانونية.[6]
نظراً لما يترتب على عدم تسجيل واقعة الوفاة من آثار قانونية سلبية تمسّ حقوق الورثة، ولا سيما زوجة المتوفى، وتؤدي إلى إعاقة المعاملات أمام الجهات الرسمية، فإننا نوصي الجهات المعنية في الحكومة الانتقالية السورية بضرورة مراجعة الإجراءات المعتمدة لتثبيت الوفاة، وذلك من خلال:
- تسهيل إجراءات منح شهادات الوفاة لذوي المتوفين، مع ضمان ذكر السبب الحقيقي للوفاة في الوثائق الرسمية، صوناً للحق في معرفة الحقيقة ومنعاً لطمس الوقائع.
- الاعتراف بالأحكام الصادرة عن المحاكم الواقعة خارج سيطرة النظام السوري فيما يتعلق بتثبيت الوفاة، وتنفيذها في السجلات المدنية التابعة للحكومة الانتقالية، في حال التثبّت بأنّها قد تمّت وفقاً للإجراءات والأصول القانونية.
- عدم التقيد بالتعميم رقم 22 لعام 2022 الصادر عن وزارة العدل في حكومة النظام السابق، والذي يُعد أداة لتضييق الخناق على المواطنين من خلال ربط الإجراءات القضائية بالموافقات الأمنية، وتكريس تغوّل الأجهزة الأمنية على عمل القضاء.
[1] ثلاثـة أشهر من حدوثها إذا وقعت داخل الدولة، وتسعة أشهر إذا وقعت خارجها المادة 14 من قانون الأحوال المدنية رقم 13 لعام 2021.
[2] المواد 20-36-37 من قانون الأحوال المدنية.
[3] المواد 38-43 من قانون الأحوال المدنية.
[4] المادة 486 من قانون أصول المحاكمات المدنية رقم 1 لعام 2016.
[5] المادة 205 من قانون الأحوال الشخصية السوري
[6] المادة 17 من قانون الأحوال المدنية السوري