تستعد المحكمة الجنائية في باريس لبدء محاكمة الناطق السابق باسم “جيش الإسلام” مجدي نعمة، المعروف بـ”إسلام علوش”، حيث ستبدأ الجلسات في 29 نيسان/أبريل، وتستمر خمسة أسابيع، وستكون الجلسات علنية.
وسيحاكم “إسلام علوش” بتهمة التواطؤ في ارتكاب جرائم حرب، تتمثل في تجنيد القاصرين، والانتماء إلى جماعة تشكلت للتحضير لارتكاب جرائم حرب بين عامي 2013 و 2016، وقد يواجه عقوبة بالسجن لمدة عشرين عامًا.
وقد انضم عدد من ضحايا الجرائم التي يُزعم أن مجدي نعمة و”جيش الإسلام” ارتكبوها في الغوطة الشرقية (ريف دمشق) إلى الإجراءات كأطراف مدنية، إلى جانب الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان (FIDH)، والرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان (LDH)، والمركز السوري للإعلام وحرية التعبير (SCM).
وتمثّل قضايا المحاسبة على الانتهاكات المرتكبة خلال النزاع السوري إحدى الركائز الأساسية لمسار العدالة الانتقالية في المرحلة المقبلة في سوريا، وخطوة ضرورية لتحقيق العدالة وجبر الضرر للضحايا.
ما هي قضية “مجدي نعمة”؟
“مجدي نعمة” هو ضابط منشق عن قوات النظام السوري السابق، عمل متحدثًا باسم مجموعة “جيش الإسلام” المسلّحة في الغوطة الشرقية حتى عام 2017، ثمّ اتجه إلى تركيا. وفي أواخر عام 2019، سافر إلى فرنسا عن طريق تأشيرة نظامية صادرة من السفارة الفرنسية في اسطنبول التركية، “لاستكمال تحصيله العلمي”، ليتم اعتقاله بعد نحو ثلاثة أشهر، على خلفية دعوى رفعها “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”، و”الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان”، و”الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان” ضد “جيش الإسلام”.
وتضمنت لائحة الاتهام عمليات الإعدام من دون محاكمة، والخطف والتعذيب الممنهج ضدّ الرجال والنساء والأطفال، واستهداف المجموعة (جيش الإسلام) الأشخاص المشتبه بتواطئهم مع النظام السابق والمدنيين العاديين المتهمين بعدم تطبيق “الشريعة الإسلامية” التي تفرضها المجموعة بشكل صارم، أو لأنهم ينتمون إلى أقليات دينية.
كما اتهمت منظمة “هيومن رايتس وتش” فصيل “جيش الإسلام” بارتكاب “جرائم حرب” لاستخدامه محتجزين لديه “دروعًا بشرية”، بينهم مدنيون، عبر وضعهم في أقفاص حديدية وُزعت في الغوطة الشرقية في تشرين الأول/أكتوبر عام 2015، بهدف “الحد من هجمات” النظام السوري السابق.
وفي شباط/فبراير 2024 قررت محكمة التمييز الفرنسية إسقاط التهمة الموجهة ضدّه فيما يخص اختطاف أربعة[1] نشطاء حقوقيين في الغوطة الشرقية بدمشق عام. ورفضت المحكمة طعنًا بالقرار تقدمت به الأطراف المدنية وأيدت استنتاجات غرفة التحقيق، مشيرة إلى أن دعم تهمة الاختفاء القسري، يحتاج “عملاً إيجابيًا ومشاركة مباشرة من قبل من هم في السلطة، وهو ما لا يبدو أنه تم إثباته“.
وأبقت على محاكمته بتهمة التواطؤ في جرائم حرب في سوريا بين عامي 2013 و 2016 وتهمة التواطؤ في تجنيد الأطفال ضمن جماعة مسلّحة، والانضمام إلى جماعات كانت تنوي لارتكاب جرائم حرب.
محاكمة على مبدأ “الولاية القضائية العالمية”:
تُعتبر محاكمة “إسلام علوش”، محاكمة قائمة على مبدأ الولاية القضائية الممتدة خارج الإقليم أو “الولاية القضائية العالمية”. وقال باتريك بودوان، محامي الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان والاتحاد الدولي لحقوق الإنسان : “إن هذه المحاكمة تمثل إنجازًا هامًا في تنفيذ مبدأ الولاية القضائية العالمية من قبل المحاكم الفرنسية، وخطوة حاسمة في مكافحة الإفلات من العقاب على الجرائم التي ارتكبتها جميع أطراف الصراع في سوريا“.
وكون سوريا لم تصادق على نظام روما الأساسي/المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية، ورغم محاولات الحصول على قرار من مجلس الأمن بإحالة الوضع إلى المحكمة الجنائية، فإن استخدام روسيا والصين المتكرر لحق “الفيتو” منع المحكمة الجنائية الدولية من فتح تحقيق بشأن سوريا، ما جعل الطرق أمام الضحايا وعائلاتهم للحصول على العدالة والإنصاف محدوداً ومقيّداً.
ومع انسداد الطريق إلى المحكمة الدولية، وعدم وجود احتمال حقيقي للعدالة المستقلة والمساءلة داخل سوريا، لجأ الضحايا إلى بلدان أخرى مثل ألمانيا والسويد وفرنسا للتحقيق في القضايا بناء على ما يعرف “بالولاية القضائية خارج الحدود الإقليمية” أو “الولاية القضائية العالمية”؛ ويسمح مبدأ “الولاية القضائية العالمية خارج الحدود الإقليمية” بمحاكمة الجاني بغض النظر عن جنسيته أو جنسية ضحاياه، بشروط معيّنة مثل الوجود أو الإقامة في دولة المقاضاة”.
وتختلف الجرائم التي يشملها مبدأ “الولاية القضائية العالمية” بين دولة وأخرى، لكنها تغطي بالإجمال طيفًا واسعًا من الجرائم، ولجأت بعض الدول إلى تطبيق الولاية القضائية العالمية على بعض الجرائم ذات الأهمية الدولية فحسب، كجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، وقد أدرجت بلدان أخرى جرائم قائمة بذاتها مثل التعذيب والإخفاء القسري لتكون مشمولة بمبدأ الولاية القضائية العالمية. وبناء عليه، رفع محامون سوريون وأفراد ومنظمات سورية، وكذلك منظمات دولية لحقوق الإنسان قضايا في هذه البلدان لإجراء تحقيقات حول تهم التعذيب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
نشأة مجموعة “جيش الإسلام” المسلّحة:
تأسس “جيش الإسلام” في أيلول/سبتمبر 2011 في الغوطة الشرقية، وتحديدًا في مدينة دوما، تحت اسم “سرية الإسلام” بقيادة الدعوي “زهران علوش” والده عبد الله علوش الذي يُعدّ من أبرز شيوخ الدعوة السلفية في البلاد. أفرج عنه النظام السوري السابق من سجن صيدنايا بعد أشهر من انطلاق الانتفاضة السورية. بدأت السرية بعمليات محدودة ضد قوات النظام في محيط دوما، ثم تطورت إلى “لواء الإسلام” في عام 2012، وفي سبتمبر/أيلول 2013، أعلن عن تغيير اسم “لواء الإسلام” إلى “جيش الإسلام” بعد توحيد عدة فصائل مسلحة تحت قيادته.
وفي فبراير/شباط 2018، شنت قوات النظام السوري، بدعم من روسيا، هجومًا واسعًا على الغوطة الشرقية، آخر معاقل المعارضة المسلحة قرب دمشق. تعرضت المنطقة لقصف مكثف، مما أدى إلى مقتل وجرح آلاف المدنيين، وتدمير البنية التحتية. وفي أبريل 2018، وبعد مفاوضات مع الجانب الروسي، وافق “جيش الإسلام” على الخروج من دوما، آخر معاقله، إلى الشمال السوري، وتحديدًا إلى مناطق ريف حلب الشمالي.
[1] رزان زيتونة، سميرة خليل، وائل حمادة، ناظم حمّادي.