بعد اندلاع الانتفاضة السورية في آذار/مارس 2011، خرجت العديد من المناطق السورية عن سيطرة النظام السابق، مما أدى إلى ظهور قوى أمر واقع في تلك المناطق. وتسبب هذا الأمر في تغييرات كبيرة في المشهد الجغرافي السوري، حيث تباينت السيطرة على الأراضي، وهو ما أسفر عن انقطاع الكثير من الخدمات الأساسية عن مؤسسات الدولة، ومنها مؤسسة السجل المدني. بالإضافة إلى ذلك، واجه السكان في هذه المناطق صعوبة في التوجه إلى المناطق التي لا تزال تحت سيطرة النظام، إما بسبب انقطاع وسائل النقل أو خوفاً من ملاحقة الأجهزة الأمنية.

كما أن العديد من السوريين/ات فرُّوا إلى الخارج بحثاً عن اللجوء في دول أكثر أماناً، مما حال دون قدرتهم على العودة إلى سوريا لأسباب عديدة، سياسية أو أمنية أو اقتصادية. هذا الوضع جعل من الصعب عليهم تسجيل التغيرات التي طرأت على أحوالهم المدنية في السجلات الرسمية.

في هذا المقال، سنتناول بشكل خاص واقعة الولادة، مع ترك الحديث عن باقي الواقعات كالوفاة والزواج والطلاق لمقالات أخرى.

تسجيل الواقعات التي تمت داخل سوريا:

بالنسبة للواقعات الحديثة، يتوجب على صاحب العلاقة، الأب أو الأم أو أحد أقارب المولود البالغين حتى الدرجة الرابعة، التوجه إلى مركز السجل المدني المختص مصطحباً معه/ا شهادة ولادة موقعة منه ومن المختار أو الطبيب أو القابلة القانونية، أو أن تكون الشهادة صادرة عن المشفى، إذا كانت الولادة في المشفى، وإذا كان زواج الوالدين غير مسجل بعد، فإنه يتوجب بدايةً تسجيل الزواج وفق الأصول ومن ثم تسجيل واقعة الولادة.[1] علماً أن دوائر النفوس دأبت على قبول طلب تسجيل الواقعة قبل النزاع السوري فقط من قبل أحد الأبوين، بحسب شهادة أحد القضاة لـ”مشاركة من أجل العدالة”.

أما بخصوص واقعات الولادة التي حصلت منذ فترة بعيدة وخاصة خلال سنوات الصراع ولم يتم تسجيلها، فإنه يتوجب على أصحاب العلاقة التوجه إلى مركز الشرطة المختص وتنظيم ضبط بالواقعة، أو التوجه إلى المحكمة المختصة لإثبات الواقعة، ومن ثم تسجيلها لدى أمانة السجل المدني المختصة.[2]

تسجيل الواقعات التي تمت خارج سوريا:

 إذا حدثت الولادة خارج الأراضي السورية، فيتوجب على صاحب العلاقة أن يقوم بتسجيل الواقعة لدى السفارة أو القنصلية السورية الموجودة في البلد الذي حصلت فيه الواقعة، ويقوم القنصل بإرسال صورة عن وثيقة التسجيل إلى المديرية العامة للأحوال المدنية عن طريق وزارة الخارجية والمغتربين، وتكون للوثائق المرسلة عن هذه الصورة قوة الاثبات المقررة للبيانات والوثائق المعتمدة في الدولة.

أما بخصوص واقعات الولادة التي تم تسجيلها لدى الدوائر الرسمية في الدولة المعنية، ولم يقم أصحاب العلاقة بتسجيلها لدى السفارة أو القنصلية السورية وفق ما تم ذكره آنفاً، فإن الواقعة تعدّ صحيحة إذا تمت وفقاً لقوانين الدولة التي حصلت فيها، ما دامت تلك القوانين لا تتعارض مع القوانين السورية، وعلى صاحب العلاقة الحصول على شهادة الولادة أو صورة مصدقة عنها من الجهات المختصة في الدولة المذكورة، وتقديمها إلى أي مركز من مراكز السجل المدني في سوريا.[3]

تسجيل مولود مجهول النسب:

كان من بين نتائج الحرب السورية الكارثية وجود مئات وربّما آلاف أطفال مجهولي النسب لأسباب عدة، كوفاة أو فقد الوالدين وعدم إمكانية التعرف عليهما، أو بسبب حصول ولادات من حالات اعتداء جنسي في مراكز الاعتقال أو خارجها، أو حالات زواج سوريات من مقاتلين أجانب غير معروفين ووفاة هؤلاء أو هروبهم إلى خارج سوريا، وعدم قدرة الأم على تسجيل الزواج، أو غير ذلك من الأسباب.

ولأنه لا يمكن أن يبقى هؤلاء الأطفال الضحايا بدون تسجيل في قيود الأحوال المدنية، إذ أنَّ التسجيل يثبت الوجود القانوني للشخص، وهذا الوجود يمنحه حق التمتع بحقوقه الأساسية المعترف بها في القوانين الداخلية والدولية، كحق التمتع بالجنسية والتعليم والعمل والصحة والتنقل وغيرها من الحقوق التي لا يمكن الاستغناء عنها، فقد نظم قانون الأحوال المدنية السوري إجراءات تسجيل هؤلاء الضحايا.

إذ يتوجب على كل من يعثر على طفل/ة مجهول الوالدين أن يقوم على الفور بتبليغ الشرطة أو المختار ليتم تنظيم الضبط اللازم بذلك، ومن ثم يتم تسليمه إلى إحدى المؤسسات أو الأشخاص الذين تعتمدهم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ويتم تنظيم شهادة ولادة للطفل، ويسجل في السجل المدني بعد أن يقوم رئيس المركز باختيار اسم له، ولكل من والديه ونسبة والدته واسم جد، ويكون اسم الجد نسبة للطفل، ويجب أن لا تذكر عبارة مجهول النسب في الوثائق التي ستمنح للطفل لاحقاً، ويعتبر مجهول النسب عربياً سورياً مسلماً، ومولوداً في سوريا وفي المكان الذي عُثر عليه فيه، ما لم يثبت خلاف ذلك.[4]

ويتوجب على الإدارة السورية الانتقالية أخذ كل هذه الأمور بعين الاعتبار، وتعديل قانون الأحوال المدنية السوري بما يتناسب مع الظروف التي مرت بها سوريا، من خلال تسهيل وتبسيط إجراءات التسجيل وإعفاء أصحاب العلاقة من غرامات التأخير المتوجبة في حالات التأخير المعتادة. كما يجب تعديل القوانين السورية بما يسمح بعمليات التبنّي وقدرة النساء السوريات على منح الجنسية السورية لأولادهن وبناتهن.

[1] المادة 21 من قانون الأحوال المدنية رقم 13 لعام 2021.

[2] المادة 20 من قانون الأحوال المدنية

[3] المادة 17 من قانون الأحوال المدنية

[4] المادة 29 من قانون الأحوال المدنية