أصدرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة تقريراً جديداً بشأنّ عمليات الاحتجاز والتعذيب في سوريا بتاريخ 27 كانون الثاني/يناير 2025. ووثق التقرير الذي حمل عنوان “شبكة من العذاب”، عمليات الاحتجاز التعسفي والتعذيب وسوء المعاملة من قبل الأجهزة الأمنية السورية التابعة للنظام السوري السابق. وأكّدت اللجنة بأنّ تلك الأفعال بلغت حدّ الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية، وهي تشكّل انتهاكات للقانون الإنساني الدولي.

وحثّ رئيس اللجنة البرازيلي “باولو سيرجيو بينهيرو” الحكومة الانتقالية الجديدة في دمشق بقيادة أحمد الشرع على “عدم تكرار هذه الجرائم أبداً“، وقال بأنّ اللجنة تأمل بـ”أن تساعد النتائج التي توصلت إليها بعد ما يقرب من 14 عامًا من التحقيقات في إنهاء الإفلات من العقاب لهذه الأنماط من الانتهاكات“.

ويقدّم التقرير الذي يتألف من 114 صفحة، عرضاً وتحليلاً أكثر تفصيلاً وشاملاً للعديد من التقارير التي أصدرتها اللجنة الأممية منذ تاريخ إنشائها في شهر آب/أغسطس 2011. وذلك عقب اندلاع النزاع المسّلح في سوريا في شهر آذار/مارس في العام ذاته.

ويؤكد التقرير على الحاجة الملحّة إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لحماية الأدلّة ومواقع الجرائم، بما في ذلك المقابر الجماعية، إلى أن يتمكن الخبراء من الكشف عليها وإجراء عمليات استخراج الرفات للقيام بفحوصات الطب الشرعي عند الحاجة. وهو ما أكّدت عليه مسبقاً مجموعة من المنظمات السورية، بما فيها سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، التي نشرت ورقة قانونية بعنوان: “الاستجابة الحقوقية ما بعد سقوط النظام السوري”، طالبت فيها بالتعاون الكامل مع الآليات الدولية المتخصصة، بما في ذلك الآلية الدولية المحايدة والمستقلة (IIIM)، واللجنة الدولية المستقلة للتحقيق بشأن سوريا (COI)، والمؤسسة الدولية المعنية بالأشخاص المفقودين في سوريا (IIMP)، وتسهيل انتقال مكاتبها الى دمشق في حال اتخاذها هذا القرار.

ويكشف التقرير عن تفاصيل مروعة حول أنماط التعذيب والمعاملة القاسية والمهينة واللاإنسانية التي مارستها قوات الدولة السابقة على الرجال والنساء والفتيان والفتيات المحتجزين. ويشمل ذلك الضرب المبرح والصعق بالكهرباء والحرق وقلع الأظافر وإتلاف الأسنان والاغتصاب والعنف الجنسي بما في ذلك التشويه وفرض أوضاع منهكة لفترات طويلة والإهمال المتعمد والحرمان من الرعاية الطبية وتفاقم الجروح والتعذيب النفسي.

وقد وصف الناجون والشهود للجنة كيف كان يُترك السجناء الذين كانوا يعانون من إصابات التعذيب وسوء التغذية والأمراض والعلل ليموتوا ببطء في ألم مبرح أو يؤخذون بعيدًا لإعدامهم. وكانت حصص الطعام ضئيلة أو ملوثة، وكان هناك نقص في المياه الصالحة للشرب والملابس الكافية، ولم يكن هناك مساحة كافية حتى للاستلقاء للنوم، بل مجرد أرضيات باردة مع بطانية فقط كفراش. وأبلغ الناجون أن الجثث كانت تُترك في الزنازين الجماعية لأيام.

وقالت اللجنة إنها تخطط لإجراء تحقيقات معمقة في الأشهر المقبلة بعد أن سمحت لها حكومة تصريف الأعمال الجديدة بالوصول إلى البلاد لأول مرة منذ 2011، “وبعد أن أتيحت لها إمكانية الوصول غير المسبوق إلى المواقع والناجين الذين لم يعودوا يخشون الانتقام بسبب تقديم شهاداتهم“.

وفي ذات السياق، كشفت “اللجنة” ومقرّها جنيف، بأنّ وفدان من فريقها، زارا المقابر الجماعية ومراكز الاحتجاز السابقة التابعة للدولة في منطقة دمشق خلال شهري كانون الأول/ديسمبر 2024 وكانون الثاني/يناير 2025، بما في ذلك سجن صيدنايا العسكري الأول سيء السمعة (صيدنايا)، وفرع المخابرات العسكرية 235 (فلسطين) وفرعي المخابرات الجوية في المزة وحرستا. وقد وجد الفريقان أنه رغم حرق أو إتلاف الكثير من الأدلة والوثائق في مراكز الاحتجاز، لا تزال هناك كميات كبيرة منها.

من جانبه، قال عضو اللجنة هاني مجلي إنه يأمل أن يرى “مبادرات عدالة وطنية ذات مصداقية يمكن أن يلعب فيها الناجون والعائلات دورا محوريا”، مؤكدا استعداد اللجنة للمساعدة إلى جانب جمعيات حقوق الإنسان والأسر السورية والشركاء الأمميين.

لمحة حول لجنة التحقيق الدولية بشأن سوريا:  تتألف لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية من المفوضين: “باولو بينهيرو” و”هاني مجلي” و”لين ويلشمان”. وكانت اللجنة قد أنشئت بتاريخ 22 أغسطس/آب 2011 من قبل مجلس حقوق الإنسان بموجب القرارS-17/1 .

وتتمثل ولاية اللجنة في التحقيق بشأن كل الانتهاكات المزعومة لقانون حقوق الإنسان المرتكبة منذ آذار/مارس 2011 في سوريا. وكلف مجلس حقوق الإنسان اللجنة كذلك بإثبات الوقائع والظروف التي قد ترقى إلى مثل تلك الانتهاكات والخاصة بالجرائم المرتكبة مع القيام، حيثما أمكن، بتحديد الجناة بهدف التأكد من مساءلة المسؤولين عن تلك الانتهاكات، بما في ذلك الانتهاكات التي قد ترقى إلى الجرائم ضد الإنسانية.

ويمكن التواصل مع لجنة التحقيق الدولية عبر البريد الإلكتروني التالي: coisyria@ohchr.org

أو عبر العنوان البريدي التالي:

Independent International Commission of Inquiry on the Syrian Arab Republic – Palais des Nations

Geneva 10 – Switzerland 1211