قالت لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بالجمهورية العربية السورية في تقريرها الأخير الصادر شهر أيلول/سبتمبر 2024 أن الاحتياجات الإنسانية في الفترة المشمولة بتقريرها السابق من نفس العام ( 1 كانون الثاني/يناير حتى 30 حزيران/يونيو) كانت في أعلى مستوى لها منذ بداية النزاع.

وأكّد التقرير المستند إلى 385 مقابلة استمرار حالة انعدام القانون في جميع أنحاء البلاد و”عمليات الاحتجاز التعسفي والتعذيب والاختفاء القسري وحالات الوفاة أثناء الاحتجاز”. كما أضاء التقرير على مخاوف من تصعيد إقليمي نتيجة ازدياد هجمات الجماعات التابعة لإيران على قواعد الولايات المتحدة الأمريكية.

وواصل المبعوث الخاص للأمين العام إلى سوريا، الضغط من أجل القيام بشكل عاجل بوقف التصعيد ووقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد وإعادة انعقاد اللجنة الدستورية، إلا أن الجهود الرامية إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 “قد ظلت متوقفة” حسب التقرير.

وتناول الانتهاكات المرتكبة في مناطق الحكومة السورية، هجمات القوات الموالية للحكومة على الشمال الغربي، انتهاكات “هيئة تحرير الشام” في الشمال الغربي، الانتهاكات المرتكبة في مناطق شمال حلب ورأس العين، والانتهاكات المرتكبة في الشمال الشرقي.

  1. مناطق الحكومة: استمرار التعذيب وسوء المعاملة:

ويورد التقرير حالات احتجاز المدنيين تعسفياً من جانب جهاز “أمن الدولة التابع للحكومة السورية إثر تعبيرهم عن آرائهم على وسائل التواصل الاجتماعي، ارتبطت الحالات بمناشير على الفيس بوك أحدها لموظف خدمة مدنية في المنطقة الساحلية أبدى تأييده لمتظاهري السويداء”، وبعد مرور شهور، ظل مكان وجوده مجهولاً و”قد أفيد بأنه فصل من وظيفته الحكومية”.

كما يؤكد التقرير ظهور حالات وفيات جديدة أثناء الاحتجاز واستمرار حالات التعذيب وإساءة المعاملة في مرافق الاحتجاز الحكومية “بما في ذلك معاملة السوريين الذين جرى ترحيلهم إلى الجمهورية العربية السورية والرجال الذين سبق لهم التهرب من التجنيد أو الفرار من الخدمة العسكرية”، مشيراً إلى الافتقار لضمانات المحاكمة العادلة، مستخلصاً نتائج أبرزها أن “جزءاً كبيراً من إطار مكافحة الارهاب ومن الأحكام المتعلقة بالجرائم السياسية وبجرائم أمن الدولة بما في ذلك أحكام قانون الجرائم المعلوماتية، معرّف تعريفاً غامضاً لدرجة أنه يؤدي إلى احتمال كبير لحدوث الاحتجاز التعسفي والإدانة.”

ويتناول التقرير في فقرة منفصلة “تأثير الصراع في غزة” تناول فيها “ثلاث هجمات إسرائيلية محتملة في مناطق مكتظة بالسكان، ما تسبب في وقوع إصابات في صفوف المدنيين”، وغارات جوية ضربت مدينة حمص والريف المحيط بها والتي أسفرت عن مقتل العدين من مقاتلي حزب الله اللبناني و”اثنين من المدنيين على الأقل”، وغارات ضربت مواقع في دير الزور أسفرت عن مقتل أحد عاملي الإغاثة التابعين للأمم المتحدة، مشيراً “بينما بدت الهجمات موجهة إلى أهداف عسكرية، فإنها تثير القلق بشأن مبدأي التحوّط والتناسب”.

وحول هجمات القوات الموالية للحكومة على الشمال الغربي توصل التقرير إلى نتائج أبرزها وجود “أسباب معقولة تدعو للاعتقاد أن القوات الحكومية شنت هجمات عشوائية قتلت وأصابت مدنيين، في انتهاك للقانون الدولي الإنساني وقد ترقى هذه الهجمات إلى جريمة حرب”.

  1. إعدامات في مناطق “هيئة تحرير الشام”:

يوثق التقرير المقدم إلى الدورة 57 لمجلس حقوق الإنسان، أربع حالات إعدام على يد “هيئة تحرير الشام” لأشخاص محتجزين، كان ثلاثة منهم مقاتلين سابقين والرابع مدنياً وكانوا متهمين بـ”جرائم تتعلق بالأمن”، وجرى إعدامهم جميعاً في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 بعد فترات متفاوتة من الاحتجاز، وسط إجراءات قضائية محاطة بالسرية.

واحتجزت هيئة تحرير الشام، حسب التقرير، رجالاً ونساءً وكذلك أطفالاً لا تتجاوز أعمارهم السابعة، من بينهم مدنيون محتجزون على خلفية انتقادهم للهيئة ومشاركتهم في المظاهرات التي خرجت في شباط/فبراير 2024 الداعية للإفراج عن المعتقلين وإقالة زعيم الهيئة “أبو محمد الجولاني”.

كما يوثق التقرير شهادات نساء تعرضن للتعذيب في سجن حارم عام 2023، مستنداً إلى شهادة إحدى المعتقلات التي وصفت “كيف جرى تعليقها رأسا على عقب لمدة ثلاث ساعات للضغط عليها للاعتراف”  ويضيف “أفادت التقارير باحتجاز نساء حوامل ونساء لديهن أطفال صغار، وبنات في سجن حارم.”

  1. اغتصاب وتعذيب من قبل “الجيش الوطني”:

جرى التحقيق من قبل اللجنة في حالتي عنف جنسي ارتكبها أفراد من الجيش الوطني السوري/المعارض خارج مراكز الاحتجاز خلال فترات تقارير سابقة، تفيد إحدى الحالات حسب التقرير، بتعرّض امرأة كردية وعضوة سابقة في وحدات حماية المرأة YPJ للاغتصاب الجماعي في موقع يسيطر عليه فصيل مسلح تابع للجيش الوطني السوري من جانب أحد أعضائه ورجال آخرين أثناء محاولتها السفر إلى تركيا عام 2022. ويضيف التقرير “استمر ورود التقارير التي تتحدث عن ارتكاب العنف الجنسي والجنساني في مراكز الاحتجاز التابعة للجيش الوطني السوري، بما في ذلك على يدي الشرطة العسكرية في عفرين بين عامي 2018 و 2022”.

كما يسرد التقرير حالات تعرض للتعذيب المرافق للاحتجاز، أبرزها حالة صبي كردي عمره 15 عام تم احتجازه بمعزل عن العالم الخارجي لمدة عامين ونصف، ويؤكد التقرير أن العديد من الأسر لم تعلم بمصير أقاربهم إلا عندما طُلب منهم دفع أموال، تصل في بعض الحالات لآلاف الدولارات، لإطلاق سراحهم.

ويقدم التقرير حالات تؤكد مصادرة ممتلكات المدنيين من قبل الفصائل التابعة للجيش الوطني السوري، وبالتحديد، فرقة سليمان شاه وصقور الشمال وفيلق الشام “قد مارسوا أعمال نهب. وقد ترقى هذه الأفعال إلى جرائم حرب.

  1. تجنيد الأطفال في الشمال الشرقي:

يستند تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بالجمهورية العربية السورية، إلى تقارير حقوقية تفيد باستمرار تجنيد الأطفال في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية/قسد على الرغم من خطة العمل الموقعة مع الأمم المتحدة في 2019.

ويفيد التقرير استمرار الاشتباكات المتفرقة والمداهمات من قبل قوات سوريا الديمقراطية في شرقي دير الزور على خلفية النزاعات التي حصلت في آب/أغسطس من عام 2023 بين قوات سوريا الديمقراطية ومجموعة من مقاتلي العشائر. ويؤكد التقرير استمرار تواجد عناصر قوات سوريا الديمقراطية داخل 7 مدارس كانت قد استخدمتها لأغراض عسكرية خلال النزاع المسلح الذي حصل في آب/أغسطس من العام 2023. ويقول التقرير “بمواصلة قوات سوريا الديمقراطية استخدام المدارس لأغراض عسكرية (…) فإنها تنتهك سياستها هي نفسها لعام 2020 بشأن الاستخدام العسكري للمدارس.”

ويوثق التقرير أيضاً حالات الاعتقال لاسباب سياسية ضد صحفيين ونشطاء سياسيين “ينظر إليهم على أنهم معارضون لحزب الاتحاد الديمقراطي أو الإدارة الذاتية”، كما تفيد اللجنة تلقيها تقارير تفيد بأن مقار العديد من الأحزاب السياسية التي تعتبر “معارضة لسلطة الأمر الواقع” قد “هوجمت وأٌشعلت فيها النيران (…) على أيدي مجموعة من الرجال الملثمين (…) ولم تحقق قوات الأمن الداخلي (الأسايش) في الحادث حتى الآن”.

كما يوثق التقرير الضربات الجوية التركية ضد الأهداف العسكرية والمدنية، من ضمنها مرافق حيوية ومراكز صحية، ويفيد أن الغارات الجوية التي ضربت عدة مواقع في محافظة الحسكة في 31 أيار/ مايو، من ضمنها الغارة التي تسببت بإتلاف إحدى سيارات الإسعاف التي تحمل شعار الحماية “بمثابة هجوم مباشر على عاملين طبيين أو منشأة طبية. وقد ترقى هذه الهجمات إلى مستوى جرائم حرب.”