عقب عمليات القتل الجماعية التي حدثت في منطقة الساحل السوري خلال شهر آذار/مارس 2025، تمّ توثيق اختطاف عشرات النساء والفتيات السوريات من الطائفة العلوية في محافظات طرطوس واللاذقية وحماة خلال الأشهر الأخيرة، من قبل “أفراد مجهولين”، بحسب تقرير نشرته وكالة “رويترز“. مشيرةً إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تشهد منذ آذار/مارس تدفقًا مستمرًا من الرسائل ومقاطع الفيديو التي نشرتها عائلات النساء العلويات المفقودات، مناشدين الحصول على معلومات عنهن.
ووفقًا لمراجعة أجرتها “رويترز”، “تظهر حالات اختطاف جديدة بشكل يومي تقريبًا”، موضحةً أنها لم تتوصل إلى روايات في شبكة الإنترنت عن اختفاء نساء من طوائف أخرى.
وقالت الوكالة إنها اطلعت على نحو 12 مكالمة ورسالة أرسلها خاطف شابة علوية اسمها عبير (29 عامًا) والوسيط الذي كان يتواصل من رقم هاتف سوري. وبيّنت أن عبير اختفت من شوارع مدينة صافيتا السورية، وسط تهديدات بأن تقتل أو تباع ما لم يدفع أقاربها فدية قدرها 15 ألف دولار.
تعدّ عبير” واحدة من بين 33 امرأة وفتاة على الأقل من الطائفة العلوية في سوريا (تتراوح أعمارهن بين 16 و 39 عامًا) تم اختطافهن أو اختفائهن هذا العام في الاضطرابات التي أعقبت سقوط حكومة الأسد، وفقًا لأسرهن جميعًا”، بحسب “رويترز”.
الأمم المتحدة تحقق في حالات الاختفاء والاختطاف المزعومة:
قالت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، التي أنشئت في عام 2011 للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، لـ “رويترز” إنها تحقق في حالات اختفاء واختطاف مزعومة لنساء علويات بعد تزايد ملحوظ لعدد البلاغات هذا العام.
وقال رئيس اللجنة، باولو سيرجيو بينيرو، في عرض قدمه لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إن اللجنة وثقت اختطاف ست نساء علويات على الأقل هذا الربيع من قبل أفراد مجهولين في عدة محافظات سورية.
وأظهرت مقابلات مُفصّلة مع عائلات 16 من النساء والفتيات المفقودات أن سبعًا منهن يُعتقد أنهن اختُطِفن، وأن أقاربهن تلقوا مطالب فدية تتراوح بين 1500 و100 ألف دولار. ومن بين هؤلاء، تلقى أقارب 3 مختطفات، بينهن عبير، رسائل نصية أو صوتية تخبرهم بأنهن نقلن إلى خارج البلاد، ولم تتوافر أي معلومات عن مصير التسع الأخريات. ووفقًا للعائلات، فإن 8 منهنّ تقل أعمارهن عن 18 عاماً.
واطلعت “رويترز” على نحو 20 رسالة نصية ومكالمة ومقاطع فيديو من المختطفات وخاطفيهن المزعومين، بالإضافة إلى إيصالات بعض تحويلات الفدية، ولم تتمكن الوكالة من التحقق من جميع تفاصيل روايات العائلات أو تحديد الجهة التي قد تكون استهدفت النساء أو دوافعها.
وبحسب “رويترز”، اختفت جميع النساء الثلاث والثلاثين في محافظات طرطوس واللاذقية وحماه التي تقطنها أعداد كبيرة من العلويين. وعاد ما يقارب نصفهن إلى ديارهن بعد ذلك، إلا أنّ جميع هؤلاء النساء وعائلاتهن امتنعن عن التعليق على ملابسات ما حدث معهن وأرجع معظمهم ذلك إلى “مخاوف أمنية”.
وقالت أغلب الأسر التي أجرت “رويترز” مقابلات معها إنها شعرت بأن الشرطة/جهاز الأمن لم تأخذ قضاياها على محمل الجد عندما أبلغت عن حالات الاختفاء أو الاختطاف، وأن السلطات فشلت في التحقيق بشكل شامل.
من جهته أوضح بينيرو، رئيس لجنة الأمم المتحدة للتحقيق في سوريا، إن السلطات المؤقتة في سوريا فتحت تحقيقات في بعض الحوادث، دون تقديم مزيد من التفاصيل.
ردود الجهات الرسمية السورية على حالات اختطاف العلويات:
ولم تردّ الحكومة السورية على طلب للتعليق على هذه القصة، ونفى أحمد محمد خير، مسؤول الإعلام في محافظة طرطوس، أي إشارة إلى استهداف العلويين، وقال “إن معظم حالات اختفاء النساء تعود إلى نزاعات عائلية أو أسباب شخصية وليس إلى عمليات اختطاف”، دون تقديم أدلة تدعم ذلك.
وأضاف أن “النساء إما أن يُجبرن على الزواج من شخص لا يرغبن في الزواج منه فيهربن أو في بعض الأحيان يرغبن في لفت الانتباه من خلال الاختفاء”، وحذر من أن “الادعاءات غير المؤكدة” يمكن أن تخلق حالة من الذعر والخلاف وتزعزع الأمن. وأكّد مسؤول إعلامي في محافظة اللاذقية تصريحات محمد خير، قائلًا إنه في كثير من الحالات، تهرب النساء مع عشاقهن، وتلفق عائلاتهن قصص اختطاف لتجنب وصمة العار الاجتماعية.
ورفض أحد أعضاء لجنة تقصي الحقائق التي شكلها رئيس المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع للتحقيق في أحداث الساحل التي جرت في مارس/آذار التعليق على حالات النساء المفقودات.
ومن جهته رفض مسؤول الإعلام في محافظة حماة التعليق على القصة أيضًا.
قلق اجتماعي متزايد ومخاوف من تكرار سيناريو داعش:
نقلت وكالة ” رويترز” قول يامن حسين، المدافع السوري عن حقوق الإنسان، والمتتبع لحالات اختفاء النساء هذا العام، إن معظم حالات الاختفاء والخطف وقع في أعقاب أحداث مارس/آذار. وأضاف أنه على حد علمه، لم يتم استهداف سوى العلويات، وأن هويات الجناة ودوافعهم لا تزال مجهولة، وقال حسين إن بعض النساء والفتيات في طرطوس واللاذقية وحماة يتجنبن الذهاب إلى المدارس أو الجامعات خوفًا من استهدافهن.
وأوضحت العديد من عائلات النساء المفقودات للوكالة أنهم، ومع كثيرين غيرهم في مجتمعهم، يخشون سيناريو كابوس يعاني فيه العلويون من مصير مشابه لذلك الذي فرضه تنظيم الدولة الإسلامية على الأقلية الايزيدية قبل نحو عقد من الزمن حيث أجبر تنظيم داعش، وهو جماعة سنية جهادية، آلاف النساء الأيزيديات على الاستعباد الجنسي خلال عهد الإرهاب الذي شهد إعلان قادته عن خلافة تشمل أجزاء كبيرة من العراق وسوريا.