بالإضافة إلى حالات التدمير الكّلية أو الجزئية لمئات آلاف الممتلكات العقارية في سوريا، ثمّة حالات كثيرة تمّ فيها استغلال الصراع الدائر منذ العام 2011، للاستيلاء على ممتلكات الآخرين، حيث أقدم الكثيرون على التعدّي على عقارات السوريين/ات بوسائل وطرق عديدة؛ منها الإجبار على ترك عقاراتهم/ن بقوة السلاح أو باستغلال غياب المالكين واللجوء إلى طرق الاحتيال والتزوير لنقل ملكية تلك العقارات إلى أسمائهم بدون وجه حق. لذا سنحاول في هذه الورقة الاكتفاء بشرح مبسط لجريمة التزوير الواقعة على مستندات الملكية العقارية، وتبعاتها القانونية.
ما هي جريمة تزوير مستندات الملكية:
عرف قانون العقوبات السوري (رقم 148 لعام 1949 وتعديلاته) جرم التزوير في المادة 443 منه بأنّه: “تحريف مفتعل للحقيقة في الوقائع والبيانات التي يراد إثباتها بصكّ أو مخطوط يحتج بهما يمكن أن ينجم عنه ضرر مادي أو معنوي أو اجتماعي”. وهذه المادة تُعرّف التزوير بشكل عام، سواء تلك الوثائق الشخصية أو الوثائق المتعلقة بالملكية بشكل عام.
وفي هذا السياق، وفي ظل عدم وجود تعريف محدّد لمستندات الملكية في القانون السوري، فمن الممكن تعريف تلك المستندات بأنها “كل وثيقة تثبت حقّ عيني لشخص بملكية عقار معين“، ومثال ذلك: إخراج القيد العقاري، وعقد البيع القطعي، والوكالة الخاصة بالبيع المنظمة لدى الكاتب بالعدل، والقرار الصادر عن المحكمة المختصة بتثبيت البيع، وغيرها من الوثائق.
وينقسم التزوير بشكل عام إلى قسمين: تزوير مادي وتزوير معنوي:
- التزوير المادي: متى أحَدث المزوّر (الفاعل) في صكّ (وثيقة/مستند) تغييراً مادياً يدركه الحسّ وتقع عليه العين كأن يتم التحريف أو التغيير في سند التمليك الدائم (الطابو الأخضر) أو في إخراج القيد العقاري أو في وكالة بيع العقار المنظمة لدى الكاتب بالعدل، أو في قرار المحكمة القاضي بتثبيت عقد البيع أو في عقد البيع نفسه، أو في غيرها من الوثائق والأوراق المؤيدة للملكية، بأن يلجأ الفاعل إلى تغيير رقم العقار أو اسم المالك أو توقيعه أو بصمة اصبعه.
- التزوير المعنوي: متى أدخل المزوّر (الفاعل) في صكّ تغييراً لا في مادته وشكله بل في معناه ومضمونه؛ أي لا يتم أي شطب أو حك أو تحوير أو تغيير أو إضافة على السند، لكن يتم التحريف بالمعلومات على غير الحقيقة. كأن يكتب الموظف الرسمي أن المالك حضر أمامه وأقر بصحة البيع بينما الحقيقة غير ذلك، أو أن يكتب الموظف معلومات غير تلك التي أدلى بها المالك، كأن يقر الأخير بأنه باع جزء من العقار ويدون الموظف بأنه أقر ببيع كامل العقار.
ويشترط أيضاً أن ينتج عن هذا التحريف ضرر مادي أو معنوي أو اجتماعي، أو أن يكون هناك احتمال لوقوع مثل هذا الضرر، فمن يلجأ إلى التحريف دون أن يكون هناك ضرر أو احتمال وقوع الضرر لا يمكن القول بوقوع جرم التزوير، فمن يستخدم وثيقة من وثائق الملكية لغايات تعليمية أو تدريبية ويقوم بتغيير الأسماء الواردة فيها، وباقي المعلومات المتعلقة بالشيء المملوك بهدف الحفاظ على خصوصية أصحاب العلاقة، لا يكون قد ارتكب جرم التزوير.
وقد جعل المشرع السوري “استعمال المزور” جريمة قائمة بذاتها وعاقب عليها بنفس عقوبة التزوير ومثال ذلك: أن يقوم شخص بتزوير وثيقة إخراج القيد العقاري ويسلمها لشخص آخر ويقوم الأخير باستعمالها أمام المحكمة أو أية جهة رسمية أخرى.
كما أنه ليس بالضرورة أن يقع التزوير على الوثيقة أو الورقة التي تكون أساساً لإثبات الملكية، لكن يمكن أن يقع التزوير في وثيقة تكون ضرورية للسير في الاجراءات اللازمة لإتمام عملية نقل الملكية، كأن يقع التزوير مثلاً في ورقة التبليغ التي يتم توجيهها للمدعى عليه (المالك)، كان يتم الشرح من قبل المحضر بأنه قام بعملية التبليغ بشكل قانوني، بينما تكون الحقيقة خلاف ذلك.
وقد اعتبر قانون العقوبات السوري عقوبة “جرم التزوير” جنائية الوصف (تكون العقوبة الاعتقال من 3 سنوات وما فوق)، إذا وقع التزوير بالوثائق الرسمية، كأن يقع التحريف في وكالة بيع العقار التي ينظمها الكاتب بالعدل، أو محضر الجلسة الذي تنظمه المحكمة أو في قرار المحكمة، أو في إخراج القيد العقاري أو سند الملكية الصادر عن مديرية المصالح العقارية، وغيرها من الوثائق الرسمية وذلك لما يحمله التزوير في هذه الحالة من ضرر اجتماعي خطير يتمثل بزعزعة الثقة بالوثائق الرسمية.
بينما جعل عقوبة التزوير في الأوراق غير الرسمية جنحوية الوصف (تكون العقوبة الحبس دون 3 سنوات)، ومثال ذلك التحريف في عقد البيع الموقع بين الطرفين، أو اختلاق عقد بيع لا أساس له، أو تنظيم ورقة إقرار أو مخالصة مخالفة للحقيقة.