عادت شركة الصناعات الاسمنتية الفرنسية إلى الواجهة بعد أن أعلنت محكمة البداية الفرنسية إحالة شركة لافارج وعدد من مديريها ووسطائها في سوريا إلى المحكمة الجنائيّة، بتهمة “تمويل الإرهاب” بين عامَي 2012 و2015، إذ أمر قضاة فرنسيون بتقديم الشركة للمحاكمة بتهم تتصل بتمويل منظمات إرهابية وانتهاك العقوبات المالية الدولية على خلفية استمرارها في تشغيل مصنعها للإسمنت بسوريا بعد اندلاع الصراع في عام 2011.
وعقدت أولى جلسات المحاكمة يوم 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 بناءاً على الأمر الصادر من ثلاثة قضاة تحقيق فرنسيين يوم 16 تشرين الأول/أكتوبر 2024، بإجراء محاكمة بتهمة تمويل الإرهاب ضد مجموعة لافارج وثمانية أشخاص، بينهم مديرون سابقون، متهمون بمواصلة أنشطة شركة الإسمنت في سوريا حتى عام 2014، حسبما أعلنت فرانس 24 نقلاً عن مصادر مطلعة على الأمر.
وجاء في أمر الإحالة إلى محكمة الجنايات حسب وكالة الصحافة الفرنسية، أن جميع المتهمين “قاموا، بمنطق السعي وراء الربح للكيان الاقتصادي الذي يخدمونه، أو لتحقيق ربح شخصي مباشر لبعضهم، بتنظيم أو الموافقة أو تسهيل أو تنفيذ سياسة تنطوي على منح تمويل لمنظمات إرهابية تنشط في محيط مصنع الإسمنت” في قرية الجلبية التابعة لمدينة كوباني في سوريا.
ستتم محاكمة لافارج، وهي الآن تابعة لمجموعة هولسيم السويسرية، والمتهمين الثمانية وهم عناصر في السلسلة التشغيلية أو السلسلة الأمنية، ووسطاء سوريين، بالإضافة إلى المدير العام لشركة لافارج آنذاك برونو لافونت، بتهمة تمويل منظمة إرهابية.
كما سيلاحق بعضهم أيضا بتهمة عدم الامتثال للعقوبات المالية الدولية. وستجرى المحاكمة في الفترة من 4 تشرين الثاني/نوفمبر إلى 9 كانون الأول/ديسمبر 2025، وفق ما جاء في جدول زمني غير نهائي للمحاكمة. ولم يرغب محامو الدفاع في الإدلاء بتصريحات أو لم يردوا على الفور.
ما هي قضية “لافارج”؟
شركة لافارج لصناعة الاسمنت هي شركة فرنسية انتهت من بناء مصنعها في سوريا عام 2010 بتكلفة بلغت نحو 680 مليون دولار، وأصبحت بين عشية وضحاها أكبر منتج للأسمنت في سوريا.
تواجه الشركة سلسلة من القضايا بسبب تهم تمويل الإرهاب، هذه التهم تتعلق بتقديم الشركة لمبالغ مالية لجماعات مسلحة، بما في ذلك تنظيم “داعش”، بهدف الحفاظ على تشغيل مصنعها للأسمنت في شمال سوريا بين عامي 2012 و2014.
ظهرت قضية شركة لافارج إلى العلن في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 في صحيفة “لو موند” الفرنسية إذ نشرت الصحافية دورثي مريم كيلو تحقيقاً تحت عنوان “اللعبة الخطيرة للافارج في سوريا“. بالتزامن، تقدمت منظمة شيربا والمركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان و11 موظفًا سوريًا سابقًا في لافارج بشكوى في فرنسا في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 ضد لافارج وفرعها السوري والعديد من المسؤولين التنفيذيين، ليتم فتح التحقيق القضائي أمام محكمة الجنايات في فرنسا عام 2017.
واتهمت الشكوى شركة لافارج بالاتفاق مع تنظيم الدولة الإسلامية وعدة جماعات مسلحة أخرى من أجل إبقاء مصنعها للإسمنت في جلابية مفتوحا وعاملا بين عامي 2012 و2014 في شمال شرق سوريا. و”حدد التحقيق القضائي منذ ذلك الحين أن القيمة المالية لهذه الترتيبات بلغت ما لا يقل عن 13 مليون يورو” حسب المركز الأوربي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان.
بالإضافة إلى تهم تمويل الإرهاب، تواجه لافارج اتهامات أكثر خطورة تتعلق بالتواطؤ في جرائم ضد الإنسانية. هذه القضية منفصلة ولكنها جزء من التحقيقات الجارية، حيث تُتهم الشركة بتسهيل ارتكاب الجماعات المسلحة لجرائم جسيمة، من خلال استمرارها في العمليات التجارية مع تلك الجماعات رغم علمها بالجرائم التي ترتكبها، حيث أشار المركز الأوربي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان “يُزعم أن شركة لافارج اشترت سلعًا، مثل النفط والبوزولان، من تنظيم الدولة الإسلامية ودفعت لهم رسومًا مقابل الحصول على تصاريح. ومن خلال تقديم التمويل المزعوم لتنظيم الدولة الإسلامية، لم تعرض لافارج حياة موظفيها للخطر فحسب، بل يمكن اعتبارها أيضًا متواطئة في جرائم ضد الإنسانية ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.”
غرامة في الولايات المتحدة
وفي سياق متصل، اتهمت نحو ة، والحائزة على جائزة نوبل للسلام ناديا مراد، شركة لافارج الفرنسية بدعم الهجمات الوحشية على السكان من خلال مؤامرة مع تنظيم الدولة الإسلامية، وتشير الدعوى المدنية، التي رفعها محامون من بينهم محامية حقوق الإنسان أمل كلوني في محكمة نيويورك، وطلب المدعون الإيزيديون من المحكمة اعتبار شركة لافارج مسؤولة عن انتهاك قانون مكافحة الإرهاب الأميركي وتقييم الأضرار التعويضية، بالإضافة إلى أتعاب المحاماة.
وجاء في الشكوى أن “الأموال والأسمنت الذي قدمه المتهمون لتنظيم الدولة الإسلامية ذهب مباشرة إلى عمليات التنظيم في الوقت الذي كان يرتكب فيه أعمال الإرهاب الدولي، بما في ذلك ذبح الأبرياء مثل الإيزيديين”.
وأقرت شركة لافارج الفرنسية للإسمنت في أكتوبر 2022 بدفع ملايين الدولارات لتنظيم الدولة الإسلامية مقابل السماح لها بفتح مصنع في سوريا، ووافقت على دفع غرامة قدرها 778 مليون دولار في الولايات المتحدة كجزء من تسوية قضائية بعد اعترافها بتمويل الإرهاب. ولكن في فرنسا، القضية لا تزال مستمرة، حيث تم إسقاط بعض التهم المتعلقة بتعريض حياة الموظفين للخطر، بينما يُنتظر أن تتواصل التحقيقات بشأن التواطؤ في الجرائم ضد الإنسانية.