آليات التقاضي والمساءلة الدولية
سيتم تسليط الضوء في هذا التصنيف على أبرز آليات العدالة والتقاضي المتوفرة على المستوى الدولي والإقليمي، ومدى إمكانية الاستفادة منها بخصوص الملف السوري، حيث إن البعض منها لا تتمتع بولاية مباشرة في الوقت الراهن، والبعض الآخر يمكن الانخراط معها لكن بشكل محدود وبشروط معينة، قد تكون صعبة التحقيق في بعض الأحيان، هذا بالإضافة إلى صعوبة تنفيذ الأحكام الصادرة في أحيان أخرى، وذلك وفق التفصيل التالي:
- آليات لا تتمتع بولاية مباشرة في الوقت الراهن: ومنها المحكمة الجنائية الدولية، وذلك لأن سوريا ليست طرفاً في نظام روما للمحكمة، وبالتالي لا يمكن لها النظر في الملف السوري حالياً، وثمة حالة وحيدة تُمكِّن المحكمة من وضع يدها على القضايا المتعلقة بالملف السوري، وهذه الحالة تتمثل بإحالة الملف اليها من قبل مجلس الأمن الدولي بموجب قرار يتخذ بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يحتاج إلى موافقة الدول الخمس دائمة العضوية في المجلس، واتخاذ هذا القرار متعذر في الوقت الحالي بسبب استخدام كل من روسيا والصين لحق النقض (الفيتو) لدى التصويت على أي قرار يتعلق بإحالة الملف السوري إلى المحكمة.
وثمة آلية أخرى يمكن إيجادها من قبل مجلس الأمن لخدمة الملف الجنائي السوري، ويتمثل في إنشاء محكمة جنائية دولية خاصة للملف السوري، إلا إن هذه الإمكانية أيضا متعذرة في الوقت الراهن، لذات الأسباب المذكورة بخصوص إحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية، حيث إن إحداث هذه المحكمة الخاصة يتطلب اتخاذ قرار من مجلس الأمن الدولي بشرط عدم اعتراض أي من الدول الأعضاء الدائمة العضوية في المجلس.
- آليات يمكن الانخراط معها في الوقت الراهن بشكل محدود وضمن شروط محددة: وتتمثل في المحكمة الاوربية لحقوق الإنسان، حيث يمكن رفع دعوى على أي دولة عضو ارتكبت انتهاكات جسيمة على المستوى الدولي، كتركيا مثلاً، ويمكن لأي فرد أو مجموعة من الأفراد أو منظمة غير حكومية أو دولة أو أكثر تقديم الادعاء بحق أي دولة عضو تخرق حقوق الإنسان المنصوص عليها في الاتفاقية الاوربية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية لعام 1953.
وكذلك يمكن الاستفادة من مبدأ الولاية القضائية العالمية بالنسبة للدول التي تأخذ بهذا المبدأ، كما هو الحال في بعض الدول الأوربية وبعض دول أمريكا اللاتينية، وتختلف شروط ممارسة الولاية القضائية العالمية من دولة إلى أخرى.
ويتمثل التحدي الأكبر بالنسبة للولاية القضائية العالمية هو ضرورة وجود المشتبه به والضحّية على أراضي الدولة التي ستباشر إجراءات التحقيق والملاحقة، مع وجود إطار قانوني وطني لذلك، وهذا الأمر متوفر إلى حدّ ما في الحالة السورية، كون الغالبية العظمى من المتهمين (الجناة) والضحايا لازالوا مقيمين في سوريا، ويبرز تحد آخر يتمثل في أن بعض الدول لا تزال تعترف بالحصانة الدبلوماسية للمسؤولين المتهمين بارتكاب الجرائم الخطيرة موضع الاهتمام الدولي. وثمة دول لا تشترط وجود المشتبه به على أراضيها للبدء بإجراءات التحقيق والملاحقة، وهذا الأمر على الرغم من انه إيجابي إلا إنه يخلق مشكلة كبيرة بخصوص تنفيذ الحكم في حال صدوره بالإدانة.