بعد وفاة المؤرّث واستحقاق الميراث، قد يرغب بعض الورثة في الخروج من التركة التي ورثوها، وذلك ببيع حصتهم في الميراث للورثة الآخرين، أو ربّما لوارث محدد. وذلك لأسباب عدّة: كأن يكون لبعض الورثة مصلحة في الحصول على قيمة نصيبهم من الميراث بشكل سريع ونقدي وبالتالي تجنب عملية قسمة التركة التي قد تستغرق وقتاً طويلاً، أو للحفاظ على ملكية العقار أو العقارات ضمن الأسرة الواحدة، أو ضماناً لتيسير عملية القسمة من دون حصول ضرر لمحل التركة، وهذا ما يُسمى بالتخارج.
سنتحدث في هذه المقالة عن مفهوم التخارج في القانون السوري وصوره وكيفية توثيق عقد التخارج أمام المحكمة وفقاً لقانون الأحوال الشخصية السوري.
يُعرف التخارج بأنّ يتصالح الورثة على إخراج بعضهم من الميراث على شيء معلوم.[1] ويعود الاختصاص لعقد التخارج وتنظيمه ادارياً والحكم بصحته للمحكمة الشرعية.[2]
ويشترط بالتخارج أن يكون على بدل سواء من التركة أو من مال الوريث الخاص، فهو من عقود المعاوضة (التي يأخذ فيها كل من المتعاقدين مقابلاً لما اعطاه) بحيث يقدّم أحد الورثة نصيبه في التركة ويقدم الوريث الآخر المال المعلوم الذي يدفع للوارث المخرج (الخارج من التركة) ويحلّ محله في التركة.
فالتخارج لا يكون الا ببدل فإن لم يكن كذلك لم يكن تخارجاً، بل هبة ويخرج من اختصاص المحكمة الشرعية.[3] كما يجب أن يشمل التخارج كامل التركة وليس جزءاً منها.[4] والأهم من كل هذا وذاك هو أن يكون التخارج باتفاق رضائي بين الورثة، وإلاّ كان باطلاً.
وعليه، فإن التخارج يشكّل وسيلة قانونية مشروعة لتصفية التركات بالتراضي، تسهم في تسهيل القسمة وتجنب المنازعات، وتؤدي في الوقت ذاته إلى استقرار الملكية بين الورثة ضمن الأطر الشرعية والقانونية.
حالات التخارج في القانون السوري:
تختلف قسمة التركة عند التخارج باختلاف صوره، وذكر قانون الأحوال الشخصية السوري في (المادة 304) حالات التخارج على النحو التالي:
الحالة الأولى إذا كان البدل من مال أحد الورثة الخاص: وفي هذه الحالة يخرج أحد الورثة (المتخارج) عن نصيبه لآخر (المتخارج له)، في مقابل شيء يأخذه من مال الوارث الخاص (المتخارج له) فيحل الثاني محل الأول في نصيبه من التركة، وتضم سهام الأول إلى سهامه.[5]
الحالة الثانية إذا كان البدل من مال بقية الورثة: ولهذه الحالة صورتين:
الصورة الأولى: أن يتخارج أحد الورثة عن نصيبه لبقية الورثة في مقابل مال يدفعونه إليه من التركة: فتقسم حصة المتخارج من التركة على سائر الورثة بنسبة النصيب الشرعي لكل منهم في التركة. [6]
الصورة الثانية ولها حالتين:
- أن يتخارج أحد الورثة عن نصيبه لبقية الورثة، في مقابل مال يدفعونه إليه من غير التركة بنسبة النصيب الشرعي لكل منهم في التركة: فتكون كل التركة لبقية الورثة بنسبة أنصبائهم ويصبح المُخْرَج غير وارث.2- أن يتخارج أحد الورثة عن نصيبه لبقية الورثة في مقابل مال يدفعونه إليه من غير التركة بالتساوي: فتقسم الحصة المصالح عليها بين بقية الورثة بالتساوي.[7]
إجراءات تثبيت التخارج من التركة:
يتمّ تثبيت هذا العقد من خلال معاملة ادارية أمام المحكمة الشرعية، حيث يتقدم الطرفان أو الأطراف أصحاب العلاقة بطلب للقاضي الشرعي، مرفقاً بوثيقة حصر الإرث، ويُطلب فيه تثبيت التخارج، ويتحقق القاضي الشرعي من حضورهم جميعاً وإقرارهم بمضمون التخارج ورضاهم الكامل به دون إكراه أو غبن. ومن بعدها يصدر قراره بتثبيت عقد التخارج وتعديل وثيقة حصر الإرث بما يتناسب مع نتيجة التخارج، أو تنظيم وثيقة حصر إرث جديدة على هذا الأساس، ويعتبر هذا القرار سنداً رسمياً يمكن الاستناد اليه أمام الجهات المعنية.
وتجدر الإشارة إلى أن طلب التخارج يمكن تقديمه سواء قبل تنظيم وثيقة حصر الإرث أو بعدها، شريطة أن يكون الطلب صادراً عن الورثة ذوي العلاقة وأن يراعى فيه مبدأ الرضا التام.
خاتمة:
يتضح مما تقدم أن الغاية الأساسية من التخارج هي تمكين أحد الورثة أو أكثر من الخروج من التركة مقابل عوض معلوم، بما يسهم في تسهيل قسمة التركات وحل النزاعات التي قد تنشأ بين الورثة. ولضمان عدالة التخارج وصحته، يجب التأكد من أن البدل المدفوع يتناسب مع الحصة الإرثية الحقيقية للمتخارج، وأن التركة غير مستغرقة بديون تشمل كامل التركة وتُبطل بالتالي أثر التخارج، إذ لا يُتصوّر وجود ملكية فعلية للورثة ما دامت التركة مشغولة بالحقوق المالية للغير.
وبذلك، يشكّل التخارج وسيلة قانونية وشرعية فعّالة لتصفية التركات بالتراضي، تحفظ حقوق الورثة وتجنبهم المنازعات القضائية الطويلة.
[1] المادة 304 الفقرة 1 من قانون الأحوال الشخصية السوري وتعديلاته.
[2] المحكمة الشرعية هي المختصة حصراً ببحث التخارج مهما كانت أموال التركة لا فرق بين الأموال المنقولة وغير المنقولة والعقار الملك والأميري وسائر الحقوق المالية الأخرى. (قرار 618/1986 – أساس 1044 اجتهاد 2442 – استانبولي – اجتهادات اصول المحاكمات المدنية والتجارية ج1 و ج7(.
[3] محكمة النقض _ الغرفة الشرعية _ قرار388 اساس 376 لعام 1973.
[4] إن التخارج يجب أن يكون من كامل الميراث لا بعضه بحيث تطرح سهام المتخارج من أصل المسألة الارثية إن كان بدل التخارج شيئاً من التركة. في حين أن اقتسام أعيان التركة وتنازل البعض عن حصته الارثية في بعض العقارات مقابل تنازل البعض الآخر عن حصته الارثية في عقارات أخرى، إنما هو تخاصص رضائي يدخل في باب قسمة المهايأة ويخرج عن المفهوم الشرعي للتخارج وبالتالي يخرج أمر الفصل فيه عن الاختصاص النوعي للمحكمة الشرعية.
نقض سوري ـ الغرفة الشرعية ـ أساس 56 قرار 67 تاريخ 22 / 1 / 1979 المرشد في الأحوال الشخصية – أديب استانبولي الجزء الثاني.
[5] الفقرة 2 من المادة 304 من قانون الاحوال الشخصية السوري. (إذا تخارج أحد الورثة مع آخر منهم استحق نصيبه وحل محله في التركة).
[6] الفقرة 3 من المادة 304 من قانون الاحوال الشخصية السوري (إذا تخارج أحد الورثة مع باقيهم فإن كان المدفوع له من التركة، قسم نصيبه بينهم بنسبة أنصبائهم).
[7] الفقرة 3 من المادة 304 من قانون الاحوال الشخصية السوري (وإن كان المدفوع من مالهم ولم ينص في عقد التخارج على طريقة قسمة نصيب الخارج قسم عليهم بنسبة ما دفع كل منهم).