شهدت سوريا خلال سنوات النزاع المسلح، ولا سيما في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة المركزية، تحدّيات كبيرة فيما يتعلق بالحفاظ على الوثائق الشخصية أو استخراجها، وفي مقدمتها البطاقة الشخصية (الهوية)، نتيجة لحالات النزوح الداخلي واللجوء الخارجي، وتعرضت العديد من مراكز السجل المدني للتعطيل أو التدمير، بالإضافة إلى تخوف العديد من المواطنين/ات من مراجعة تلك المراكز الرسمية خشية الملاحقة الأمنية.

كما أسفر هذا الواقع عن نشوء أجيال جديدة تجاوزت سن الرابعة عشرة دون أن يتمكنوا من الحصول على بطاقات شخصية وفقاً للإجراءات القانونية المنصوص عليها في قانون الأحوال المدنية السوري، كما فقد العديد من المواطنين/ات بطاقاتهم نتيجة الظروف الاستثنائية.

ونتيجة لذلك، لجأت الجهات المسيطرة في تلك المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة إلى إصدار وثائق تعريفية بديلة عن البطاقة الشخصية، صادرة عن مراكز تابعة لها، تختلف في الشكل والمضمون عن النموذج الرسمي المعتمد من قبل الجهات الحكومية. غير أن تلك الوثائق لم تحظ بأي اعتراف قانوني خارج نطاق مناطق إصدارها، نظراً لعدم تمتع الجهات المانحة لها بأي صفة رسمية.

وتعدّ البطاقة الشخصية وثيقة أساسية لإثبات هوية المواطن، وتُعرف اصطلاحاً بـ “الهوية”. وتمثل أداة رئيسية في تنظيم الحياة القانونية والإدارية، حيث يُشترط إبرازها في العديد من المعاملات اليومية، من أبرزها: المعاملات الإدارية والمالية والمصرفية، تسجيل العقارات، الحصول على الخدمات العامة، التقدم للوظائف وكذلك للامتحانات، التسجيل والدوام في الجامعات، والمرور عبر الحواجز الأمنية التابعة للسلطات وغير ذلك من الأمور الحياتية والإدارية التي لا يمكن حصرها.

وتتناول هذه الورقة الإجراءات القانونية المعتمدة لمنح البطاقة الشخصية لأول مرة، وكذلك الآليات القانونية المقررة في حال تلفها أو فقدانها، وذلك استناداً إلى قانون الأحوال المدنية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /13/ لعام 2021 وتعليماته التنفيذية.

  1. إجراءات منح البطاقة الشخصية لأول مرة:

يُلزم قانون الأحوال المدنية السوري كل مواطن، ذكراً أو أنثى، بالتقدم بطلب لأي مركز سجل مدني للحصول على بطاقة شخصية خلال سنة من إتمامه سن الرابعة عشرة.[1] ويُعد الوالد أو الوالدة مسؤولاً عن تقديم طلب الحصول على البطاقة لأول مرة أو عند طلب بدل عنها ما دام صاحب العلاقة قاصراً، ويترتب على الإخلال بهذا الالتزام فرض غرامة مالية على الولي المتخلف.[2]

ويجب على طالب البطاقة الحضور شخصياً إلى دائرة الأحوال المدنية، ويرافقه الولي أو أحد أقاربه حتى الدرجة الرابعة إذا كان قاصراً، وذلك لإثبات الشخصية وتنظيم استمارة طلب البطاقة، مرفقة بالوثائق التالية[3]:

ــ أربع صور شخصية ملونة قياس 4×4 بخلفية بيضاء؛

ــ دفتر العائلة، أو شهادة تعريف من المختار في حال عدم وجوده أو إذا لم يكن المعرف أحد الوالدين؛

ــ دفتر خدمة العلم للذكور بين 19 و 42 سنة؛

ــ الطوابع المطلوبة ورسم مقداره 1000 ليرة سورية.

بعد تقديم الطلب، يُمنح مقدم/ة الطلب إيصالاً ويتلقى إشعاراً بالمدة الزمنية اللازمة لإصدار البطاقة، والتي تُسلَّم لصاحبها أو لوليه إذا كان قاصراً[4].

  1. إجراءات الحصول على بطاقة شخصية بديلة عن التالفة أو المفقودة:

يمكن الحصول على بطاقة بدل عن تالفة بتنظيم استمارة طلب بطاقة شخصية في أي مركز سجل مدني متضمنة 4 صور شخصية ودفتر الجيش للذكور من سن 19 حتى 42 ويشترط أيضاً إحضار البطاقة التالفة من أجل المطابقة[5] وإرفاق صورة عنها في الاستمارة ودفع غرامة قدرها 7000 ل.س.[6]

أمّا في حال فقدان الهوية الشخصية يجب تنظيم ضبط شرطة[7] بفقدان البطاقة فوراً في قسم الشرطة المختص (قسم شرطة المنطقة التي فُقدت فيها الهوية) بحضور شاهدين. ويتعين بعدها الذهاب إلى أمين السجل المدني وتقديم طلب بدل ضائع مع نفس الوثائق والإجراءات المذكورة عند المنح لأول مرة ويضاف إليها صورة مصدقة عن ضبط الشرطة ودفع غرامة مقدارها 7000 ل.س. وفي حال عاد صاحب العلاقة واستعمل البطاقة الشخصية المدعى بفقدانها يعاقب بالحبس من شهر الى ستة أشهر أو بغرامة قدرها 150000 ليرة سورية.[8]

  1. تعديل أو تصحيح معلومات البطاقة الشخصية:

في حال طرأ أي تعديل أو تصحيح على البيانات المدرجة في البطاقة الشخصية، يتعين على صاحب العلاقة التقدم بالبطاقة إلى رئيس مركز السجل المدني المختص لتجديدها خلال مدة ثلاثين يوماً من تاريخ التعديل أو التصحيح، وذلك تحت طائلة فرض غرامة مالية قدرها 7000 ليرة سورية في حال التأخر.[9]

أمّا بالنسبة للمواطنين/ات السوريين المقيمين خارج البلاد، فإنّ قانون الأحوال المدنية الحالي لا يجيز تقديم طلب الحصول على البطاقة الشخصية عبر البعثات الدبلوماسية أو القنصلية، ولا من خلال وكيل قانوني أو أحد الأقارب داخل سورية، بل يشترط حضور صاحب العلاقة شخصياً داخل سوريا لتقديم الطلب واستلام البطاقة.

ويؤدي هذا القيد القانوني إلى حرمان أعداد كبيرة من اللاجئين/ات السوريين وأبنائهم الذين تجاوزوا سن الرابعة عشرة من حقهم في الحصول على البطاقة الشخصية، الأمر الذي ينعكس سلباً على قدرتهم في إنجاز معاملاتهم لدى السفارات والقنصليات السورية، وقد يترتب عليه تعليق أو توقف تلك المعاملات، كما إنه قد يحرمهم من حق الحصول على جواز السفر السوري.

  1. توصيات للحكومة الانتقالية في سوريا:

بناء على ما ذكر، فإننا ندعو الحكومة الانتقالية في سوريا إلى اعتماد نموذج محدّث للبطاقة الشخصية، يتميز بمواصفات تقنية متقدمة، بما في ذلك مادة تصنيع مقاومة للكسر والتلف، بما يضمن ديمومتها وسلامة استخدامها. كما نوصي بضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتيسير حصول المواطنين السوريين المقيمين في الخارج، سواء كانوا مغتربين أم لاجئين، على بطاقاتهم الشخصية عبر البعثات الدبلوماسية والقنصليات السورية في بلدان إقامتهم، وذلك من خلال اعتماد آليات إلكترونية أو إجراءات إدارية مرنة تراعي أوضاعهم القانونية والعملية.

ونشدّد على أهمية اعتماد نموذج موحّد للبطاقة الشخصية في جميع الأراضي السورية، واستبدال البطاقات الصادرة في المناطق الخارجة سابقاً عن سيطرة النظام السابق ببطاقات رسمية تصدر وفق نموذج موحد، بما يكفل توحيد وثائق السجل المدني وضمان الحقوق القانونية لحامليها.

وكذلك عدم فرض أي غرامة على الأشخاص الذين تجاوزوا المدة المنصوص عليها في القانون للتقدم بطلب الحصول على البطاقة الشخصية لأول مرة، أو للحصول على بدل تالف أو ضائع.

[1] المادة 49 من قانون الأحوال المدنية السوري والمادة 49/2 من التعليمات التنفيذية لهذا القانون.

[2] المواد 51-66 من قانون الأحوال المدنية. ونرى ضرورة عدم فرض هذه الغرامة بالنسبة للأشخاص الذين لم يكن بمقدورهم مراجعة دوائر الدولة السورية خلال سنوات الصراع بسبب الخوف من الملاحقات الأمنية أو لأي سبب كان، وضرورة اعتبار ظروف الحرب ظروفا قاهرة منعت الاولياء من تقديم الطلب والحضور الى مراكز السجل المدني الرسمية.

[3] المادة 49/6 من التعليمات التنفيذية

[4] المادة 49/6 من التعليمات التنفيذية للقانون.

[5] التعليمات التنفيذية لقانون الاحوال المدنية السوري المادة رقم 49 الفقرة 6 ب

[6] المادة 63 من قانون الاحوال المدنية السوري.

[7] التعليمات التنفيذية لقانون الاحوال المدنية السوري لمادة 49 الفقرة 6 و

[8] المادة 70 من قانون الأحوال المدنية السوري.

[9] المواد 55-66 من قانون الأحوال المدنية