أدّت ظروف النزاع القاسية في سوريا، إضافة إلى الفقر والأوضاع الاقتصادية الصعبة والنزوح واللجوء إلى تزايد غير مسبوق في حالات الطلاق، ما أدّى في نهاية المطاف إلى تفكك آلاف العائلات السوريّة، وتصاعدت نسبة حالات الطلاق ما بين عام 2011 والأعوام اللاحقة حتى وصلت إلى زيادة بنسبة 25 بالمئة.
و”واقعة الطلاق” كغيرها من واقعات الأحوال المدنية، عانى السوريون/ات المقيمون خارج مناطق النظام السابق صعوبات كبيرة في تسجيلها، خاصة في ظل عدم وجود جهة أو مؤسسة رسمية تحظى بالاعتراف القانوني، حتى أن القرارات الصادرة عن المحاكم المحدثة قي المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية المؤقتة (التابعة للائتلاف السوري المعارض)[1] لم تكن تُنفذ في سجلات الأحوال المدنية في الدولة السورية.
وعدم تسجيل الطلاق يعني بقاء الزوجة متأهلة في السجلات الرسمية، وبالتالي حرمانها من حقها في الزواج مرة أخرى، إن أرادت ذلك، وهذا قد يؤدي إلى حدوث الزواج الثاني “شرعاً” وعدم تسجيله “رسمياً”، وبالتالي عدم القدرة على تسجيل الأطفال مستقبلاً، وما سيعقب ذلك من نتائج كارثية عليهم، هذا بالإضافة إلى عدم قدرة الزوجة على المطالبة بحقوقها المالية كمعجل المهر (غير المقبوض) ومؤجله فيما يتعلق بالزواج الأول، وكذلك عدم القدرة على المطالبة بحضانة الأطفال القُصَّر.
وبسبب الحاجة الملحة لتسجيل واقعات الطلاق التي تمّت خلال فترة النزاع الدائرة في سوريا، بغض النظر عن الأسباب التي أدّت إليها، سنتطرق في هذه الورقة إلى الطرق المتاحة في التشريعات السورية لتسجيل هذه الواقعة بشكل رسمي في سجلات الأحوال المدنية للطرفين.
ويُمكن أن يتم الطلاق من خلال معاملة إدارية، تسمى عادة بالطلاق الإداري أو الطلاق بالإرادة المنفردة، حيث يقوم الزوج عادة بتقديم الطلب إلى ديوان المحكمة الشرعية ويعلن عن عزمه على إتمام إجراءات الطلاق بإرادته المنفردة، ويمكن للزوجة أيضاً أن تقوم بهذا الإجراء إذا كانت مخولة بموجب عقد الزواج بتطليق نفسها.[2] كذلك يمكن لأيّ من الطرفين أن يتقدم بدعوى تثبيت الطلاق أمام المحكمة الشرعية إذا كان الطلاق قد تمّ أصلاً لكن لم يتم تثبيته بشكل قانوني. وفي حال اتفاق الزوجين على إتمام إجراءات الطلاق بشكل رضائي ورغبتهم في إتمام هذه الإجراءات بشكل أسرع وأقل تعقيداً، فيمكن لهما أو لوكلائهما القانونيين اللجوء إلى المحكمة الشرعية المختصة، وطلب تثبيت الطلاق الرضائي الجاري بينهما، أو كما تسمى عادة بالمخالعة الرضائية.[3]
كذلك منح المشرع السوري لأي من طرفي عقد الزواج الحق في طلب فسخ عقد الزواج، إذا كان الطرف الآخر يعاني من إحدى العلل والأمراض المانعة من القيام بالواجبات الزوجية، أو من إحدى الأمراض المخيفة أو المعدية.[4] ويحقّ للزوجة طلب التفريق إذا غاب عنها زوجها لمدة تزيد عن السنة ولو كان له مال تستطيع الاتفاق منه، كما يحق لها ذلك إذا صدر حكم بحق الزوج بالسجن لأكثر من ثلاث سنوات،[5] ولها أيضا طلب التفريق إذا امتنع الزوج عن الانفاق عليها،[6] أو إذا هجرها أو حلف على عدم مباشرتها مدة أربعة أشهر فأكثر.[7]
ويحقّ لأي من الزوجين طلب “التفريق لعلّة الشقاق” في حال إضرار الطرف الآخر به، وعدم قدرتهما على إكمال الحياة الزوجية، وفي هذه الحالة تقوم المحكمة بمحاولة إصلاح ذات البين بين الطرفين وتعين حكمين عدلين لهذه الغاية، فإن لم يتم هذا الإصلاح تقوم المحكمة بإصدار قرارها بالتفريق بينهما.[8]
وإذا لم يكن الزواج مسجلاً أصلاً فلابد هنا من تسجيل الزواج ومن ثم تثبيت الطلاق أو المخالعة أو التفريق لإحدى الأسباب المذكورة آنفاً، وعادة ما يتم توحيد كل تلك الطلبات في دعوى واحدة، وبعد صدور الحكم بتثبيت الطلاق أو المخالعة الرضائية أو التفريق واكتساب الحكم الدرجة القطعية، ترسل نسخة منه إلى أمانة السجل المدني المختصة،[9] ليتم تسجيل واقعة الطلاق على قيود الزوجين وفق الأصول.
تثبيت الطلاق إذا وقع خارج سوريا:
ينفذ القرار الصادر في الخارج في السجل المدني في سوريا في حال عدم مخالفته للقوانين السورية، ويمكن أن يتم ذلك من خلال تسجيل واقعة الطلاق في القنصلية السورية في البلد الذي يقيم فيه الزوجين أو أحدهما، أو يمكن أن يتم التسجيل مباشرة لدى أي مركز سجل مدني في سوريا، بعد تقديم شهادة الواقعة أو صورة مصدقة عنها.[10]
أمّا في حال كان مخالفاً للقوانين في سوريا فلا يمكن تنفيذه،[11] ويمكن في هذه الحالة تنظيم وكالات من كلا الزوجين أو أحدهما في القنصلية السورية في بلد الاقامة وإرسالها إلى وكيل قانوني في سوريا ليقوم بتثبيت الطلاق في المحاكم السورية ومن ثم لدى دوائر السجل المدني.
لكل ما ذكر وما قد يسببه عدم تسجيل واقعات الطلاق من أضرار لطرفي العلاقة ولا سيما الزوجة، يجب على الحكومة السورية الانتقالية التخفيف من الاجراءات الروتينية في دعاوى الطلاق أو التفريق، خاصة إن حالات الغياب والفقدان كثيرة في سوريا، كذلك يتوجب عليها اعتبار القرارات والأحكام الصادرة عن المحاكم التي تشكلت خارج مناطق سيطرة النظام السابق بتثبيت الطلاق أو التفريق صحيحة ما لم يثبت العكس، وإذا كانت قد صدرت وفقاً للقوانين والتشريعات السورية النافذة، كي يتمكن أصحاب العلاقة من تسجيلها في دوائر السجل المدني المختصة.
[1] كانت هذه الحكومة تدير المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري السابق “المناطق المحررة” (المادة 29 من النظام الأساسي للائتلاف السوري)، وكانت تشمل مناطق من الشمال السوري، كعفرين والباب وراس العين/سري كانيه وتل أبيض. وهي المناطق التي دخلت تحت السيطرة التركية بموجب عمليات عسكرية نفذتها تركيا بالتعاون مع الجيش الوطني السوري،
[2] المادة 87 من قانون الأحوال الشخصية السوري وتعديلاته.
[3] المادة 96 من قانون الأحوال الشخصية وتعديلاته.
[4] المادة 105 من قانون الأحوال الشخصية وتعديلاته.
[5] المادة 109 من قانون الأحوال الشخصية وتعديلاته.
[6] المادة 110 من قانون الأحوال الشخصية وتعديلاته.
[7] المادة 111 من قانون الأحوال الشخصية وتعديلاته.
[8] المادة 112 من قانون الأحوال الشخصية وتعديلاته.
[9] المادة 31 من قانون الأحوال المدنية السوري.
[10] المادة 17 من قانون الأحوال المدنية السوري.
[11] المادة 30 من قانون الاحوال المدنية السوري .