مع اتساع عدد مستخدمي/ات وسائل التواصل الاجتماعي وانتشارها على نطاق واسع، تزايدت الجرائم الالكترونية التي تستوجب المتابعة والتقليل من آثارها السلبية على المجتمع، وذلك بنصوص قانونيـة وتنظيمية تضمن أن يتمتع كل شـخص بوصــول آمـن وسـليم إلـى وسـائل التواصـل الاجتماعـي، وبالقــدرة على التعبير عن نفسـه، بمنـأى عــن خطـر التعرض للتمييـز أو العنصريـة أو العنــف أو العداء وبما لا يمس بحرية التعبير المصانة وفقاً للتشريعات الداخلية والمواثيق الدولية.

الجريمة الالكترونية في القانون السوري:

في سوريا، يعتبر القانون رقم 20 لعام 2022 (قانون الجرائم المعلوماتية) الإطار القانوني الأساسي الذي ينظم مكافحة الجرائم الإلكترونية، ويشتمل العديد من صور وأنواع السلوك الإجرامي التي تُرتكب عن طريق الشبكة.

وتعدّ جريمة القدح والذم الالكتروني من أكثر الجرائم شيوعاً في المجتمع السوري. حيث مثلت نسبة الدعاوى  المنظورة أمام المحكمة المختصة في دمشق خلال عام 2019 نسبة 25% من اجمالي الدعاوى المتعلقة بالجرائم المعلوماتية وفقاً لدراسة ميدانية سابقة قامت بها “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، ويُعزى ذلك إلى أسباب عديدة أهمها: حالة الفوضى التي كان يعيشها السوريين خلال سنوات النزاع، والجهل بالقوانين بسبب عدم انتشار التوعية، وسهولة اقتراف تلك الجريمة عن طريق الشبكة، كما أن الواقع المعيشي والاقتصادي المتردي الذي كان يعيشه الشعب السوري دفع الكثيرين إلى التعبير عن غضبهم من خلال القدح والذم على وسائل التواصل الاجتماعي بحقّ المسؤولين والموظفين العاملين لدى الدولة، وكان الموظفون يقدمون شكاوى ضدهم بتهم القدح والذم حيث كان القانون ذريعـة بيد مسـؤولي الحكومة لملاحقة ومقاضاة ورفع الدعاوى الكيدية بحق كل مــن يقــوم بانتقادهــم، أو التعبيـر عــن رأيـه وسـخطه بالسياسات المعمـول بهــا ضمـن مؤسسـات الدولة بموجـب مــواد الذم والقدح والتحقير.

التمييز بين النقد البناء وبين القدح والذم:

استخدم المشرّع السوري في بعض النصوص عبارات عامة وفضفاضة، مثل “النيل من هيبة الدولة” و”النيل من مكانة الدولة المالية“، دون تحديد دقيق لمضمونها، ما أوجد خلطًا بين النقد وحرية التعبير عن الرأي و/أو الذم أو القدح.

فالنقد يُعدّ أداة مشروعة تهدف إلى كشف الأخطاء في أداء الموظفين العموميين، بما يسهم في تعزيز الرقابة العامة وتحقيق المصلحة المجتمعية، شرط أن يستند إلى وقائع صحيحة تتعلق بالوظيفة، لا إلى الطعن الشخصي أو النيل من الشرف. وقد أجاز قانون العقوبات الذم إذا انصبّ على أعمال مرتبطة بوظيفة عامة وثبتت صحتها، كالاتهام بالرشوة المؤيد بالأدلة.

إلا أن التشريعات الجزائية، ولا سيما المتعلقة بالفضاء الرقمي، لم تُحسن التمييز بين النقد الهادف والإساءة العلنية، رغم أن جريمة الذم والقدح الإلكترونية لا تختلف من حيث الجوهر عن التقليدية، إنما تكمن خطورتها في سرعة الانتشار واتساع نطاق الجمهور المستهدف، مما يضاعف الأثر النفسي والاجتماعي على الضحية.

فالغاية من تجريم الذم والقدح، خصوصًا عبر الوسائط العلنية، هي حماية كرامة الإنسان واعتباره من المساس غير المشروع، نظرًا لما يمكن أن يؤديه هذا الفعل من أذى نفسي، وتشويه السمعة، وفقدان الثقة، وهي أضرار تمس جوهر الحقوق الشخصية وتستحق الحماية القانونية، شأنها شأن الحق في الحياة والسلامة الجسدية.

سنتناول في هذه الورقة لمحة مبسطة عن جريمة القدح والذم الالكتروني، وعقوبتهما وطريقة تقديم شكوى من قبل المجني عليه، وفقاً ل  قانون  الجريمة المعلوماتية السوري وتعليماته التنفيذية :

تعريف الذم والقدح:

يُعرف الذم بأنه نسبة أمر إلى شخص ولو في معرض الشك أو الاستفهام، ينال من شرفه أو كرامته، أما القدح فهو كل لفظة ازدراء أو سباب أو تعبير أو رسم يمس اعتبار وكرامة وشرف الشخص دون إسناد فعل أو واقعة معينة له.[1]

على سبيل المثال: يعدّ ذماً اسناد واقعة سرقة الى المجني عليه ويعد قدحاً وصف المجني عليه بالسارق.

كما يعد ذماً القول عن فتاة أنها تعاشر رجلاً معاشرة غير شرعية ويعدّ قدحاً وصفها بالفاسقة.

يقع جرم القدح والذم الالكتروني عندما يرتكب من خلال الشبكة ومواقع التواصل الاجتماعي كفيسبوك وانستغرام وواتساب أو عن طريق البريد الالكتروني ويمكن أن يكون بشكل صورة، أو رسـالة مكتوبة، أو صوتيـة، أو رموزاً كالايموجي والستيكر إذا كانت تحمل معنى الاساءة أو الشتم والتحقير.

اختلاف العقوبة بحسب طريقة ارتكاب الفعل والشخص المستهدف:

 ميز المشرّع السوري بين الذمّ والقدح العلني وغير العلني في العقوبة في قانون الجريمة المعلوماتية وللتمييز بين الذم والقدح الإلكتروني العلني وغير العلني، وفق التفصيل التالي:[2]

أي ذمّ أو قدح إلكتروني في المحادثات الخاصة بين شخصين على الواتساب أو في مجموعة اتساب يعرف أعضاؤها بعضهم البعض، يشكل جرم الذم أو القدح غير المعلن[3] وتكون العقوبة غرامة مالية للفاعل[4] تتراوح بين 200 ألف حتى 300 ألف ل.س للذم غير العلني وبين 100 ألف حتى 200 ألف ل.س للقدح والتحقير غير العلني.

أمّا بالنسبة لجرم الذم أو القدح المعلن فيكون من خلال المجموعات الضخمة التي لا يعرف كل أعضائها بعضهم البعض وتكون العقوبة جنحية وهي الحبس لمدة تتراوح بين شهر ل 3 أشهر وغرامة مالية تتراوح بين 300 ألف حتى 500 ألف ل.س للذم العلني والحبس مدة تتراوح بين 10 أيام ل شهرين وغرامة مالية تتراوح بين 200 ألف حتى 300 ألف ل.س للقدح العلني [5].

تشدد المشرع في العقوبة عندما يقع جرم القدح أو الذم الالكتروني العلني على موظف عام أثناء تأديته لوظيفته أو بسببها لتصبح العقوبة الحبس من ثلاثة أشهر الى سنة وغرامة من  500 ألف حتى مليون ل.س للذم المعلن، والحبس من شهرين إلى 6 أشهر وغرامة تتراوح بين 300 ألف ل و500 ألف للقدح أو التحقير المعلن.[6]

كما ساوى المشرع بين النشر وإعادة النشر من حيث التجريم والعقاب حيث إن إعادة النشر (مشاركة المنشور) على الشبكة تعني بالضرورة تبني نفس الفكرة والقناعة بها من قبل الناشر[7]مثال: قيام شخص على الفيسبوك بإعادة مشاركة منشور قام صاحبه فيه بشتم أو تحقير أحد الأشخاص.

إجراءات ملاحقة المتهمين بالجرائم المذكورة:

بإمكان كل من تعرض للقدح والذم على مواقع التواصل الاجتماعي رفع دعوى للقضاء بشكل شخصي أو عبر محامي وكيل، يطلب فيها إدانة المتهم بجرم الذم أو القدح أو التحقير، وذلك عن طريق التقاط صورة (سكرين شوت) للمنشور أو التعليق المسيء وطباعتها ورقياً ومن ثم ارفاقها بمعروض يقدم إلى النيابة العامة، وبعدها يحول إلى فرع مكافحة جرائم المعلوماتية بالأمن الجنائي الذي يتحرى عن صاحب الرقم والحساب ومن ثم يحال الى المحكمة المختصة.

علماً أنه، وبموجب القانون رقم 20 لعام 2022، تم إحداث ضابطة عدلية تختص بمهمة البحث والتقصي[8]، وجمع المعلومات، والقبض على المتهمين وتقديمهم للقضاء.[9]

توصيات للحكومة السورية الانتقالية:

بناء على ما ذكر، فإنّ الحكومة السورية الانتقالية مطالبة بتعديل قانون الجرائم الالكترونية، بحيث يتضمن تعريفاً جامعاً مانعاً للجريمة الالكترونية، يحدد بشكل دقيق الأفعال التي تعد جرائم مع مراعاة الفروق بين النقد المشروع/حرية التعبير عن الرأي والتشهير أو الإساءة، بحيث لا يُفسر النصّ بما يسمح بملاحقة الانتقادات المشروعة أو التعبير السلمي، كما ينبغي حذف أو تعديل المواد القانونية التي تتضمن عبارات مبهمة تفتح الباب للتأويل الكيدي، وتُستخدم كأداة لقمع الأصوات المعارضة أو الناقدة، بخلاف ما تقرره المعايير الدولية لحرية التعبير، ولا بد من تحديد آليات التقصي والتحقيق في الجرائم الإلكترونية بما يمنع تجاوزات الضابطة العدلية، ومنع أي شكل من أشكال المراقبة أو التجسس إلا بأمر قضائي صريح، مع مراعاة الحق في الخصوصية وعدم اعتماد الأدلة المستقاة بوسائل غير مشروعة، واحترام الإجراءات القانونية.

[1] المادة 375 من قانون العقوبات السوري وتعديلاته .

[2] منشور فيسبوك على صفحة العربية سوريا بتاريخ 27 نيسان 2022 متوفر على الرابط التالي (آخر زيارة للرابط 10 تموز 2025)

https://www.facebook.com/story.php?story_fbid=5292478720810315&id=420195604705342&p=30&_rdr

[3] المادة 34 من التعليمات التنفيذية لقانون الجريمة المعلوماتية رقم 20 لعام 2022

[4] المادة 24 و25 من قانون الجريمة المعلوماتية رقم 20 لعام 2022 الفقرة أ

[5] المادة 24 و25 من قانون الجريمة المعلوماتية رقم 20 لعام 2022 الفقرة ب

[6] المادة 24 و25 من قانون الجريمة المعلوماتية رقم 20 لعام 2022 الفقرة ب

[7] المادة 35 من التعليمات التنفيذية لقانون الجريمة المعلوماتية رقم 20 لعام 2022

[8] وفقا لسوريون من أجل  الحقيقة و العدالة تكمن هنا اشكالية خطيرة هي أن عناصر الأمن يسلكون كل الطرق لكشف الجرم حيث أن القانون لم يحدد شكلاً للاستقصاء وجمع الأدلة وبالتالي يتيح للضابطة العدلية التجسس على حسابات الناس تحت ذريعة شبهة ارتكاب جريمة معلوماتية كما يمكن لهم التخفي وانتحال الصفة والدخول في حلقات النقاش والدردشة واصطناع المرشدين والمخبرين ويقوم المرشد بإيصال المعلومات للجهة المختصة .

[9] المادة 38 من قانون الجرائم المعلوماتية