من المعلوم بأنّ هنالك جرائم تستهدف المجني عليه/ا في شخصه/ا كجرائم القتل والايذاء وحجز الحرية بشكل غير مشروع، وجرائم أخرى تستهدفه في ثروته/ا أو ذمته/ا المالية، كالسرقة والاحتيال وإساءة الائتمان واغتصاب التوقيع. لذا ستركز هذه الورقة المختصرة على “جريمة اغتصاب التوقيع”، بهدف تعريف كل من يُحتمل أنه كان ضحية لها طوال سنوات الصراع الدائر في سوريا، بهذه الجريمة وأركانها وكيفية معالجة القانون السوري لها.

وتتمثل هذه الجريمة بإرغام المجني عليه/ا (الضحية) بكتابة تعهد أو تنازل أو توقيع على ورقة معدّة مسبقاً تتضمن بالنتيجة نقل ملكية عقار أو منقول من المجني عليه إلى الجاني أو إلى شخص آخر بشكل غير مشروع وخلافاً لإرادة المجني عليه، أو يمكن أن تتضمن الورقة إبراءً أو إعفاءً من الضحية عن دين أو التزام مترتب لصالحه بذمة الجاني، ويتسبب هذا الأمر في الاضرار بثروة الضحية وممتلكاته، ويجلب منفعة غير مشروعة للجاني (مرتكب الجرم)، ويكون المجني عليه مكرهاً على الكتابة أو التوقيع لصالح الجاني بسبب استعمال الأخير للعنف أو التهديد بإيقاع الأذى به أو بأحد أقربائه أو أحبائه، بحيث لا يترك خياراً آخر للمجني عليه سوى أن يستجيب لطلباته.

وقد تم تجريم هذا الفعل في قانون العقوبات السوري رقم 148 لعام 1949 حيث نصت المادة 635 منه على أنه: “1. كل من أقدم لاجتلاب نفع غير مشروع له أو لغيره على اغتصاب توقيع، أو أية كتابة تتضمن تعهداً أو إبراءاً، وذلك بالتهديد أو الإكراه، أو أكره شخصاً على إجراء عمل أو الامتناع عن إجرائه إضراراً بثروته أو بثروة غيره، عوقب بالحبس مع الشغل من ثلاثة أشهر إلى سنتين وبالغرامة من مئة إلى خمسمئة ليرة.” وفرض ذات القانون عقوبة الأشغال الشاقة إذا كان الفاعل حاملاً سلاحاً هدد به المجني عليه.

ونلاحظ، من خلال نصّ المادة المذكورة، أنه كي يتحقق جرم اغتصاب التوقيع لابدّ من توفر شرطين أساسيين:

أولهما ــ الاكراه: والاكراه إمّا ان يكون مادياً او معنوياً، فالإكراه المادي: هو الضغط الذي يتعرض له الشخص بشكل مادي أو جسدي، كأن يتم اعتقال الشخص وتعذيبه وإجباره على التوقيع أو الإقرار على وثيقة تتضمن تنازلاً عن ملكيته العقارية لصالح الجاني أو يجبره على الذهاب إلى المحكمة أو إلى المصالح العقارية والتنازل لصالح الفاعل.

أما الاكراه المعنوي: فهو الضغط النفسي أو المعنوي الذي يؤثر على إرادة الشخص ويجعله يشعر بأنه مضطر للقيام بشيء ما: كأن يتم تهديد الشخص بقتله أو اعتقاله أو بقتل أو اعتقال شخص عزيز عليه، أو ابتزازه وتقديم الوعد له بالتدخل في الإفراج عن شخص معتقل يهتم المجني عليه بأمره، أو التهديد بفضيحة اجتماعية، أو الإضرار بسمعة الشخص فيرضخ للتهديد لدفع الخطر عن النفس والجسد أو السمعة.

 ثانيهما ــ الضرر: يشترط أيضاً لوقوع هذا الجرم أن يترتب على توقيع الشخص تحت تأثير الإكراه وقوع ضرر على المجني عليه، وكذلك تحقيق منفعة أو مغنم غير شرعي للجاني (مرتكب الفعل)، فمن يجبر غيره على توقيع ورقة تتضمن تنازلاً عن عقار غير موجود أصلاً أو إنه موجود ولكن ليس مملوكاً من قبل المجني عليه، لا يمكن القول بأنه قد ارتكب جرم غصب التوقيع.

وقد أكدت الهيئة العامة لمحكمة النقض بأنه كي يتحقق هذا الجرم، فإن غصب التوقيع أو الكتابة يجب أن يكون بهدف اجتلاب نفع غير مشروع للجاني وإلحاق الضرر بثروة المجني عليه أو بثروة غيره، وبفقدان هذه العناصر تنتفي الجريمة (قرار رقم 74 أساس 334 لعام 2018).

وتعتبر عقوبة جرم اغتصاب التوقيع جنحوية الوصف (في الجرائم الجنحية لا تتجاوز مدة العقوبة عادة الثلاث سنوات)، إلا أن المشرع قد تشدّد في العقوبة وجعلها جنائية الوصف إذا تمت تحت تهديد السلاح (في الجرائم الجنائية يكون الحد الأدنى لمدة الاعتقال ثلاث سنوات، ويمكن أن تصل للمؤبد أو الإعدام).

ويؤخذ على هذه المادة عدم تناسب الغرامة المفروضة مع جسامة الجريمة المرتكبة، وهذا القصور يقتضي إجراء التعديل اللازم على نص المادة المذكورة، بحيث تصبح الغرامة متناسبة مع فداحة هذا الجرم والنتائج الوخيمة المترتبة عليه، ولا سيما مع احتمالية وقوع الكثير من هذه الجرائم في سوريا، بسبب ظروف الصراع الدائر منذ أكثر من أربعة عشر عاماً، وقيام المتنفذين والمقربين من أمراء الحرب باستغلال الظروف، والاستيلاء على ممتلكات المدنيين أو ممتلكات خصومهم بوسائل وطرق مختلفة، ومنها إلزام الضحية بالتوقيع على سند أو تعهد يفيد بتنازله عن ملكية عقار أو منقول، وفق ما تم شرحه آنفاً.