تسبب استمرار الصراع في سوريا في حرمان الكثير من السوريين/ات من الحصول على وثائق زواج رسمية، وذلك نتيجة توقّف الدوائر الحكومية عن العمل في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري السابق، وعدم وجود جهة قادرة على إصدار وثائق تحظى باعتراف قانوني في تلك المناطق، ولم يكن بإمكان غالبية سكان تلك المناطق التوجه إلى المحاكم والجهات الإدارية الموجودة في مناطق سيطرة حكومة بشار الأسد، خوفاً من الملاحقات الأمنية، وهو ما أدّى إلى عواقب وخيمة مع تراكم السنوات.
أنّ عدم تثبيت الزواج يؤدي إلى ضياع حقوق الزوجة والأطفال، ويضعهم ضمن دائرة الخطر في حال اختفاء الزوج، أو وفاته المفاجئة أو رفضه تثبيت الزواج، أو غياب بيانات الزوج الذي لا تعرف عنه المرأة أحياناً ألا لقبه أو اسمه الثنائي، خاصة عندما يكون الزوج غير سوري. ويؤدي عدم تثبيت واقعة الزواج أيضاً إلى حرمان الزوجة من الحصول على حقوقها في الميراث، أو الحصول على مهرها (معجل ومؤجل) في حال وفاة الزوج أو الطلاق حيث تبقى عزباء قانوناً.
ويزيد تعقيد الأمر وجود أطفال ليصبحوا “مكتومي القيد” إن لم تتمكن الأم من تثبيت زواجها، حيث أن تثبيت وتسجيل الزواج هو شرط أساسي لتثبيت النسب (المادة 28 من قانون الأحوال المدنية السوري)، كما أنه في حال وفاة الأب قد ينتج عنه ضياع النسب، وحرمان الاطفال من اكتساب الجنسية، في ظل عدم إعطاء القوانين السورية الحالية الحقّ للأمّ السورية بمنح جنسيتها لأولادها، وبالتالي حرمانهم من حقوقهم الأساسية، كالحق في التعليم والإرث والصحة والتنقل وغيرها من الحقوق.
ولأهمية تسجيل واقعات الزواج، سنتعرف في هذه الورقة على الوسائل المتاحة قانوناً لتسجيل الزواج في السجلات الرسمية، وفقاً لقانوني الأحوال الشخصية والأحوال المدنية السوري.
- بالنسبة لتسجيل الزواج داخل سوريا:
يثبت الزواج إما ادارياً أو قضائياً:
- – إدارياً: يتمّ بحضور الطرفين أو وكلائهما في ديوان المحكمة الشرعية، وقد حددت المادة 40 من قانون الأحوال الشخصية السوري الوثائق التي يجب توافرها لإتمام المعاملة والتي يمكن الاستغناء عن بعضها في حال حصل حمل ظاهر،[1] أو ولادة.
وتقدم الأوراق في مصنّف قضائي الى القاضي الذي يأذن بتسجيل الزواج فيسجل المساعد القضائي الزواج في سجلات المحكمة، ويُمنح الطرفان صورة مصدقّة عن صكّ الزواج، وتقوم المحكمة بإرساله الى أمانة السجل المدني[2] لتغيير الوضع العائلي للزوجين على قيدهما لتصبح متأهل/ة بدلا من عازب/ة.
- – قضائياً: هنا يكون الزوج عادةً غير موجود بسبب السفر أو الفقدان أو الوفاة، أو موجود ولكنه يرفض التثبيت، حيث تقوم الزوجة برفع دعوى تثبيت زواج أو دعوى تثبيت زواج ونسب في حال وجود أطفال. والأوراق المطلوبة، هي بيانات فردية للطرفين بالإضافة إلى تقرير حمل أو شهادة ميلاد الطفل إن وجدت، حيث توضع الأوراق في مصنف قضائي وتسجل في ديوان المحكمة الشرعية، ويمكن اثبات الزواج بإقرار الطرفين او بشهادة الشهود، أو بأي وسيلة إثبات موجودة،[3] وبعد صدور القرار عن القاضي الشرعي واكتسابه الدرجة القطعية يصبح قابلاً للتنفيذ في سجلات الأحوال المدنية.
في حال وفاة الزوج أو فقدانه أفسح المشرّع المجال للزوجة بأن ترفع الدعوى على ورثة زوجها، وفي هذه الحالة يجب إرفاق حصر إرث شرعي للمتوفى لبيان أسماء الورثة، كي تتثبت المحكمة من صحة الخصومة.
- في حال كان الزواج قد تم خارج سوريا:
بعد اتمام عقد الزواج في الخارج، ثمة طريقتين لتسجيله في السجل المدني السوري:
- – الطريقة الأولى: هي عبر القنصلية السورية في البلد الذي يقيم فيه الطرفين أو أحدهما، علماً أنّ قوانين اللجوء في العديد من الدول تمنع السوريين/ات من المتمتعين/ات بأشكال محددة من الحماية بالتواصل مع حكومات وسفارة بدهم.
- الطريقة الثانية: هي تسجيل الواقعة مباشرة في أي مركز سجل مدني في سوريا.[4]
لا يُعترف في سوريا، إلا بصكوك الزواج المعقودة على أسس دينية (المسلمون أمام المحاكم الشرعية، والمسيحيون أمام المحاكم الروحية، وللطائفة الدرزية محكمة مذهبية خاصة تنظر في أمور الزواج… وهكذا). وبالتالي فإن أي زواج خارج إطار قوانين وشروط الديانات يُعتبر باطلاً، وغير قابل للتطبيق[5] ويمكن في هذه الحالة تنظيم وكالات من كلا الزوجين أو أحدهما في القنصلية السورية في بلد الاقامة وارسالها إلى وكيل قانوني في سوريا ليقوم بتثبيت الزواج في المحاكم السورية أصولاً.
بناء على ما ذُكر، فإن “الزواج العرفي” هو زواج صحيح شرعاً، لكنه غير ضامن لحقوق الزوجة والأطفال قانوناً، لذلك فإن تسجيل واقعات الزواج في السجلات الرسمية أمر لا يحتمل التأجيل، وهذا الأمر يفرض على الإدارة السورية الجديدة واجب التخفيف من حدة الاجراءات الروتينية، كشرط موافقة وزارة الداخلية بالنسبة للزوج الأجنبي، وواجب قبول الأحكام التي صدرت عن المحاكم المتواجدة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السابق بخصوص تثبيت واقعات الزواج، وتنفيذها فوراً في سجلات الأحوال المدنية، ما دامت متوافقة مع التشريعات السورية النافذة.
[1] المادة 40 من قانون الأحوال الشخصية السوري رقم 4 لعام 2019
1/ يقدم طلب الزواج لقاضي المنطقة مع الوثائق الآتية:
أ/ صورة مصدقة عن قيد نفوس الطرفين وأحوالهما الشخصية.
ب/ تقرير طبي بخلوهما من الأمراض السارية ومن الموانع الصحية للزواج وللقاضي التثبت من ذلك.
ج/ رخصة بالزواج للعسكريين العاملين المتطوعين فقط.
د/ موافقة وزارة الداخلية إن كان أحد الزوجين أجنبيا.
2/ لا يجوز تثبيت الزواج المعقود خارج المحكمة إلا بعد استيفاء هذه الإجراءات على أنه إذا حصل ولد أو حمل ظاهر يثبت الزواج دون هذه الإجراءات، ولا يمنع ذلك من إيقاع العقوبة القانونية.
[2] المواد 43-44-45 من قانون الأحوال الشخصية السوري وتعديلاته.
[3] الشهادة على السماع مقبولة في اثبات الزواج ولا يشترط لإثبات الزواج في دعوى اثبات الزواج أن يكون الشهود قد حضروا العقد، اساس 859 قرار 905 لعام 2014 محكمة النقض الغرفة الشرعية الثانية.
[4] المادة 17 من قانون الأحوال المدنية السوري وتعديلاته.
[5] المادة 30 من قانون الأحوال المدنية السوري والمواد 34- 35- 36- 37-38- 39-48-305-306 -307-308 من قانون الأحوال الشخصية السوري وتعديلاته.