يُعدّ حصر الإرث إجراءً قانونيا رئيسياً في توثيق حقّ الورثة في ممتلكات المتوفَى، ويهدف إلى تحديد نصيب كل فرد من الورثة وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية أو القوانيين المدنية. وتواجه قضية حصر الارث في سوريا مشكلات منها ما يتعلق بإثبات الوفاة خلال سنوات الحرب حيث أن الكثير من العائلات فقدت أحد أفرادها، إما عبر العمليات القتالية، أو القصف العشوائي، أو عمليات القتل الجماعي، أو الاعتقال والاختفاء القسري أو انقطاع أخباره بسبب النزوح والهجرة، وغيرها من الأسباب التي لا يمكن حصرها في سوريا.
ولأن المتوفى يترك عادة خلفه مجموعة من الورثة فهذا يقتضي توزيع تركته بينهم وفقاً لما حددته القواعد القانونية المطبقة في سوريا، لذلك سنتناول في هذه الورقة لمحة مبسطة عن حصر الارث وانواعه في القانون السوري، واجراءات استخراج كل منها:
أولاً: حصر الارث وأهميته وأنواعه:
حصر الارث: هو وثيقة رسمية تصدر عن المحكمة المختصة، يبيّن فيها أسماء ورثة المتوفى، مع تحديد الحصص الإرثية لكل منهم. الغاية منها هي بيان نسبة ما يملكه الورثة من أسهم في التركة بوجه عام، وليس بيان ما يملكه المورث من عقارات ومنقولات.
أهمية استخراج وثيقة حصر الارث:
لا يمكن القيام بأي تصرف لتركة المتوفى أو اجراء أي معاملة نقل ملكية إلى الورثة في الدوائر الرسمية، أو المطالبة بمستحقات المتوفى (كالمعاش التقاعدي) إلا بإبراز وثيقة حصر إرث أصولي صادر عن المحكمة المختصة.
أنواعه: ينقسم حصر الارث في سوريا حسب الأملاك أو الأموال التي سيتم توريثها، الى ثلاثة أنواع، حصر إرث شرعي وحصر إرث قانوني وحصر إرث عمالي.
أولها وأهمها : حصر الإرث الشرعي: يعتمد في أحكامه في الميراث على قانون الأحوال الشخصية المستمد من أحكام الشريعة الإسلامية، ويصدر عن القاضي الشرعي ويتمّ بموجبه تعيين الورثة الشرعيين وحصة كل واحد منهم من التركة وفق الاستحقاق الشرعي ويمكن لأي وريث الحصول عليه من المحكمة الشرعية[1] ولا يحتاج لحضور بقية الورثة ولا وكالات منهم. وهو خاص بالأموال المنقولة والعقارات الملك (العقارات التي تقع ضمن حدود المخطط التنظيمي).
ثانياً: حصر الارث القانوني: يعين أسماء الورثة وحصصهم في العقارات الأميرية (وهي التي تقع خارج حدود المخطط التنظيمي) تحسب عادة من 2400 سهم ويتم تنظيمه من قبل محكمة الصلح المدني وفق قانون انتقال الأموال غير المنقولة المتعلق بالأراضي الأميرية.
يكمن الفارق الأساسي بين حصر الإرث الشرعي والقانوني في أنّ الأول ينظم أمام المحكمة الشرعية ويعتمد على قانون الأحوال الشخصية في التوزيع (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) بينما يُنظم الثاني أمام محكمة الصلح المدني ويستند إلى قانون انتقال الأموال الأميرية الذي (يساوي بين الذكر والأنثى في الميراث). إن كان المتوفى لديه أكثر من نوع من العقارات أي أميرية وملك يجب تنظيم حصر إرث شرعي وكذلك حصر إرث قانوني.
ثالثاً: حصر الارث العمالي:
وهو يتعلق بمرتبات العامل أو الموظف الحكومي في حال وفاته حيث تنتقل حقوقه في المرتب التقاعدي الى زوجته أو الى بناته الغير متزوجات أو أولاده الذكور الذين مازالوا بحاجة الى رعاية، يصدر عن المحكمة العمالية التي يقع العامل في دائرتها، وفقاً لأحكام قانون التأمينات الاجتماعية رقم 92 لعام 1959 (المادة 89 و 90) وكذلك قانون التأمين والمعاشات لموظفي الدولة المدنيين الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 119 لعام 1961( المواد من 31 إلى 36) منه أما بالنسبة للعسكريين فتحكمه قوانين وأنظمة خاصة واهمها المرسوم التشريعي رقم 17 لعام 2003، وتصدر وثيقة حصر الإرث العمالي من قبل المحكمة العمالية.
اجراءات استخراج حصر الارث ( الشرعي والقانوني )والوثائق المطلوبة:
يجوز لأحد الورثة أو الوكيل بوكالة عدلية أو قضائية استخراج حصر الإرث ، تتم معاملة حصر الارث وفقاً للإجراءات التالية: أولاً: يجب تسجيل وفاة المؤرث في أمانة السجل المدني، ومن ثم يتقدم صاحب المصلحة (و يسمى المقرِّر)، وهو (أحد ورثة المتوفى أو وكيله القانوني) باستدعاء لدى القاضي الشرعي أو قاضي الصلح المدني يطلب فيه إحالته إلى الديوان من أجل تنظيم وثيقة حصر إرث، ومن ثم يوضع الاستدعاء في مصنف خاص بحصر الارث و يحيل الديوان المعاملة إلى السجل المدني لاستخراج البيانات المدنية اللازمة لتنظيم حصر الإرث (بيان وفاة للمتوفي، بيان عائلي للمتوفى ووالديه، قيود فردية لكل بنت متزوجة من بناته …)، وكذلك إلى مختار المحلة التي كان يقيم فيها المتوفى، من أجل ضبط الورثة بشكل مبدأي (مضبطة المختار) يتوجه صاحب المصلحة بالملف بداية إلى السجل المدني من أجل استخراج البيانات المدنية اللازمة ومن ثم إلى مختار المحلة لتدوين الشروحات اللازمة، ومن ثم يعود مع المعاملة إلى الديوان -يتأكد الموظف المختص من كفاية الوثائق المرفقة، وشروحات مختار المحلة كما يستشهد بمعاونة صاحب المصلحة – شاهدين على واقعة الوفاة.. بعد سماع الشهادة، ينظم الموظف المختص في الديوان وثيقة حصر الإرث، ليصار إلى توقيعها من القاضي، ومن ثم طباعتها وحفظها في سجل أساس وثائق حصر الإرث للعام الجاري.
كيف يمكن تنظيم حصر إرث للمفقود:
يمكن توفية المفقود قضائياً بعد مرور أربع سنوات على واقعة فقدانه عندما يكون الشخص مفقوداً في ظروف ترجّح وفاته دون التحقق من مصيره، كحالات الحرب أو الحالات المماثلة. عن طريق دعوى تسمى “دعوى اعتبار المفقود ميتاً” تُقام من أحد الورثة ضد وكيل قضائي عن المفقود، وبعد أن تتثبت المحكمة من انقطاع أي أثر عن المفقود لمدة تزيد عن أربع سنوات، تصدر حكمها باعتباره بحكم الميت، وبعد اكتساب الحكم الدرجة القطعية، يُنفذ في السجل المدني. ويمكن للورثة بعدها الحصول على بيان وفاة من النفوس وتنظيم حصر ارث له وفقا للإجراءات المذكورة أعلاه.[2]
خاتمة وتوصيات:
نستنتج مما سبق أن حصر الإرث هو حق يكفله الشرع والقانون لجميع الورثة وهو ضرورة للحد من النزاعات التي قد تنشأ بينهم مستقبلاً، حيث أن وثيقة حصر الارث تحدد بشكل دقيق أسماء الورثة وعلاقتهم بالمتوفى، مما يمنع أي محاولات لإدخال أشخاص غير مستحقين في التركة، كما أنه يحدد حصص كل وارث وفقاً للقانون والأحكام الشرعية، مما يمنع التنازع حول مقدار النصيب المستحق لكل فرد، كما أنه يوفر إثباتًا رسميًا لحقوق الورثة أمام المحاكم والجهات الحكومية فهو وثيقة لا غنى عنها في تقسيم الميراث بشكل قانوني وسليم ونقل أملاك المتوفى إلى ورثته
2 نقلا عن مقال سابق لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة _ الوصول الى العدالة _ تم نشره بتاريخ 9/5/2025 متوفر على الرابط التالي : https://share4justice.org/%D8%AA%D8%AB%D8%A8%D9%8A%D8%AA-%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%81%D8%A7%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%A7%D9%83%D9%85-%D9%88%D8%B3%D8%AC%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%A7/
[1] المادة 14 من قانون أصول المحاكمات المدنية السوري